قضايا وآراء

حرب الاغتيالات في مصر

عمرو عادل
1300x600
1300x600
منذ ما يزيد عن العامين نشرت مقالا بعنوان الحرب الأهلية في مصر، وكان يشير إلى أننا نعيش حربا أهلية منذ زمن ليس بالقصير ربما منذ أحداث محمد محمود، ولم يكن الكثير متفق مع هذا الطرح وهذا ليس مستغربا؛ فغالب تجارب الحروب الأهلية السابقة لم يكتشف أهل البلدان أنهم داخلها إلا بعد مرور زمن طويل. 

على أية حال ما يحدث في مصر الآن ربما يدفع من يرفض أن في مصر حربا أهلية بامتياز أن يراجع نفسه، ومن مظاهر تلك الحرب هي حرب الاغتيالات المتبادلة في مصر التي تتصاعد وتيرتها يوما بعد يوم.

فالاغتيال هي عملية قتل عمدا وغدرا لشخصية عامة، لأسباب سياسية أو فكرية أو دينية أو طائفية، ربما مستوى الاغتيالات في مصر الآن لا يرقى أن يكون لشخصيات عامة؛ بالتأكيد هو قتل غير قانوني وليس له علاقة بأي شكل من أشكال العدالة ويحمل كل الأسباب المذكورة.

فما يحدث منذ ثلاثة أشهر أو يزيد من تفجيرات متزامنة لكنائس أو استهداف ظباط أو جنود ممن يمثلون السلطة في أحد مظاهرها وهي القوة المسلحة؛ أو استهداف أفراد من الشعب في منازلهم أو قتل الرهائن "المختفين قسريا بالتعبير الحقوقي"؛ لا يمكن توصيفه إلا على أنه صورة من صور الاغتيالات المتبادلة بين طرفي صراع لا يبدو أنه سينتهي، وكل المقدمات تنبئ أنه في تصاعد وربما اقترب من النقطة التي يصعب منها العودة مهما كانت قوة المحاولات.

والاغتيالات السياسية كانت محركا قويا لافتتاح الحروب الأهلية وأيضا لتأجيجها، فالحرب العالمية الأولى كان سببها المباشر اغتيال ولي عهد النمسا، وكانت الاغتيالات أحد مظاهر الحرب الأهلية في لبنان وعشرية الجزائر السوداء، وما يحدث في مصر في هذه الأوقات من اغتيالات متبادلة مؤشرا خطيرا على تطور مستوى الصدام الذي يريد البعض تجنبه والابتعاد عن هذا المنزلق الخطير.

والواقع أن هناك إشكالية كبيرة؛ فنحن نتحدث عن شعب قوامه يقترب من المئة مليون وهذا رقم كبير للغاية وخاصة إذا عرفنا أن نسبة معتبرة منه في سن الشباب وكذلك الغالبية العظمى تعاني من ظلم فاحش سواء من الفقر أم الظلم المجتمعي وانعدام العدالة، وبالتالي يصبح التوقف عن السقوط في المنحدر أمرا صعبا ما دامت السلطة الحاكمة اتخذت مبدأ الاغتيالات وسيلة للانتقام. 

المشكلة الأكبر أن الاغتيالات التي تحدث لها رسائل محددة من الطرفين وهما النظام الحاكم في مصر – وهو معروف ومحدد وله مظاهره وأدواته-، والطرف الآخر معبرا عن قطاع متمرد على الوضع الحالي الكارثي والمساحة المتوقعة له هي ما يقرب من ثمانين مليون؛ يعانون من الظلم والفقر والتهميش والإذلال، وهذا الطرف غير قابل للاحتواء في ظل غياب أي قوى مجتمعية قادرة على منازعة السلطة المستبدة وهي القوى التي يحاصرها العسكرفي كل مصر، ويبدو أن كل محاولات تشويه العقل التي تحدث في مصر قد فشلت وعادت المعركة الآن بين النظام العسكري والشعب وهى أصل المعركة التي حاول العسكر على مدى طويل إخفاءها ولكن يبدو أن الأمر خرج عن السيطرة. 

ويبدو أن النتيجة المنطقية لذلك هو تصاعد العنف والعنف المضاد، والرسائل من طرف الكتلة السائلة مشوشة وغير معروفة، أهي انتقام محدد من أشخاص محددين لهم دور في المجازر الكبيرة التي حدثت في مصر وخاصة مع غياب كامل للعدالة؟ أم الرسالة ضد سلطة مستبدة عميلة استولت على مصر ويرى منفذو هذه العمليات أنها وسيلة لإضعاف السلطة وإظهار التحدي لها بالقوة؟ أم أنها غير ذلك؟ احتمالات متعددة وكثيرة نظرا لعمق الظلم في مصر وتعدد أسبابه يصعب تحديد سبب واحد والمتوقع أنها عدة أسباب متداخلة أو منفصلة.

إلا أن رسالة النظام الحاكم في مصر واضحة تماما؛ وهي موجهة لجميع من هم خارج حزام السلطة من الشعب، والرسالة أن أي محاولة مهما كانت ومن أي طرف كان سيكون الانتقام من الشعب كله بشكل عشوائي؛ فتصفية المختفين قسريا هي رسالة من النظام واضحة ومعلنة أننا سننتقم لما يحدث لأي فرد من داخل حزام السلطة حتى لو كان على أطرافها، وسيكون من أي أحد تحت أيدينا ورسالة أخرى لباقي الرهائن في السجون أن عدم استسلامكم يعرضكم لنفس المصير.

لا أعلم هل يدرك النظام حجم الحماقة التي يرتكبها ويدرك المنحدر الذي يدفعنا إليه. فهو يدرك بالتأكيد أن المجتمع أصبح سائلا للغاية ولا يوجد من يمكنه السيطرة عليه، وفي نفس الوقت يسعى مع أطراف أخرى أن يصنع حلا ما بعيد تماما عن الطريق الصحيح ويرسخ الوضع الحالي؛ ويظنوا معا أن ذلك الحل قد يحجم من الغضب الموجود في مصر, فالنظام يضرب بقوة وبعشوائية ويظن أن الحل في تراجع أو تفتيت الكتلة الصلبة للثورة، والحقيقة أن هذا وهم كبير؛ فالمفاتيح الآن لم تعد في يد تلك الكتلة الصلبة؛ بل في يد تلك الكتلة السائلة التي لا يسمعها أحد ويظلمها الجميع.

إن تطور حرب الاغتيالات الآن هو مؤشر كبير على تعاظم القوة السائلة وعدم قدرة النظام على الإمساك بها والحل النظري في الكثير من التجارب هو صناعة مركزا مخادعا لإنتاج حل زائف؛ يظنون أنه سيوقف الحرب التي اشتعلت في مصر؛ وأرى أن ذلك قد أصبح حلما بعيد المنال.     
0
التعليقات (0)