مقالات مختارة

حماس.. وإعلام السيسي الحائر في شأنها

جمال سلطان
1300x600
1300x600
فور وقوع العملية الإرهابية الأخيرة في سيناء، التي استشهد فيها أكثر من عشرين من رجال القوات المسلحة، سارع الإعلام الموالي للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تكرار الأسطوانة النمطية المحفوظة، حماس هي المسؤولة عن الجريمة، حماس هي التي دعمت الإرهابيين الذين قتلوا جنودنا، حماس هي التي سهلت دخول القتلة، حماس هي التي تمثل التهديد الأخطر على مصر الآن في سيناء، وكانت المفاجأة أن المتحدث باسم الجيش "الإسرائيلي" أفيخاي أدرعي، ركب الموجة وكرر الكلام ذاته بحرفه، وكأنه ينقل عن الإعلام الموالي للسيسي، أو كأن إعلام السيسي ينقل عنه، وكلا الاحتمالين فضيحة.

حركة حماس في قطاع غزة أعلنت نعيا كبيرا لشهداء الجيش في تلك العملية، وأقامت صوان عزاء كبيرا حضره قيادات الحركة، بمن فيهم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي ويحيى السنوار رئيس الحركة، وعلقوا علم مصر فوق الجدران، وصور الشهداء أيضا، في مبادرة واضحة على تقارب مصري حمساوي ترجم في الفترة الأخيرة بزيارات مكثفة قامت بها وفود من حماس إلى القاهرة.

حماس تلتقي بشكل دوري الآن جهات سيادية مصرية، وأجهزة رفيعة، وتنسق الأعمال، وهناك تعاون أمني واستخباراتي واسع بين الجهتين، كما أن هناك اتفاقات لدعم مصري لحركة حماس من شأنه أن يشمل عتادا عسكريا أيضا، من أجل ضبط الحدود ومنع تسلل المهربين أو المجرمين أو الإرهابيين، وقامت حماس طوال الشهر الأخير بعملية ضخمة على حدودها مع مصر أشبه بمنطقة عازلة لتأمين حدود مصر وحمايتها، وبالتالي فعندما يخرج إعلام رسمي أو إعلام موالي لرئيس الجمهورية لكي يهاجم حماس، أو يردد كلاما سخيفا للمتحدث باسم الجيش "الإسرائيلي" ويقول إن حماس هي التي تورطت في قتل الجنود المصريين، وأن حماس الإرهابية هي التي تدعم الإرهاب في مصر، فإننا نكون أمام حالة انفصام سياسي وإعلامي، أو أننا أمام كيانين يسيطران على القرار في مصر وليس كيانا واحدا، كيان متحالف مع حماس ويدعمها وينسق معها أمنيا وعسكريا، وكيان آخر معادي لحماس ويخوض معها صراعا، وأعتقد أن هذا أمر خطير ويهدد مصالح الوطن وأمنه القومي في الصميم.

القاهرة، أيضا، رعت اجتماعات عالية الحساسية والأهمية، بين القيادي الفلسطيني محمد دحلان، صديق السيسي وحليفه المهم، وبين قيادة حماس، وتعددت اللقاءات، ومن الواضح أنه تم التوصل إلى صيغة اتفاق بين الطرفين، حسب ما أعلنت مصادر الطرفين، بما يعني أن القاهرة تضع رهانها السياسي الآن على دور حماس في المنطقة، فما معنى أن يقوم الإعلام الموالي للسيسي، أو المتزلف للسيسي بالهجوم على حماس ووصفها بالإرهاب والتآمر على مصر وأنها متورطة في عملية قتل جنودنا في سيناء، ما معنى هذا "الهطل" الإعلامي المتفشي.

والحقيقة أن الاتهامات الملفقة لحماس لم تكن إعلامية فقط، وإنما هناك جهات أمنية قدمت روايات "رسمية" مثيرة عن دور حماس في تدريب الجماعات الإرهابية التي تضرب في عمق مصر، وكيف أن هناك كوادر مصرية تذهب عبر الأنفاق للتدريب في غزة على يد قيادات عسكرية حمساوية ثم تعود لتنفيذ عمليات إرهابية ضد المنشآت والجيش والشرطة والقضاة، وبعضهم ربط بين عملية اغتيال الشهيد العميد عادل رجائي وبين اتصالات مزعومة جرت بين قيادات حماس التي أعطت التعليمات للتنفيذ وبين القتلة هنا، وكيف أن الجهات الأمنية "اليقظة" سجلت  التمام الذي أعطاه القتلة لموجهيهم في حماس بنجاح العملية، ولا أدري ما هو مصير تلك "الحواديت" الآن، بعد أن ثبت أن حماس لا تنسق مع الإرهابيين، وإنما تنسق مع قيادات المخابرات المصرية.

من الواضح أن السلطات الحالية لا تتعامل مع الإعلام كمنبر أو جسر للرأي العام، وإنما تتعامل معه كهتيفة ومهرجين موالد، لإشغال الناس والرغي بالكلام الفارغ والجاهل والأحمق، مع الحرص على عزل الإعلام ذاته عن أي معلومة رسمية أو أي موقف رسمي، إنه منتهى الاحتقار الذي يمكن أن يلحق بإعلام في أي بقعة من العالم اليوم.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)