قضايا وآراء

عن احتواء إيران في سوريا

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600
ما يزال سلوك إدارة ترامب في سوريا يربكنا في فهم السياسة الأمريكية الجديدة والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها.
 
فمنذ التصريحات الأمريكية بضرورة تحجيم إيران في المنطقة، وجدنا تزايد كثافة الحضور الإيراني العسكري داخل العراق وسوريا، ووصل الأمر إلى حد بلوغ القوى المدعومة من إيران إلى مناطق جغرافية كانت حتى الأمس القريب بمثابة الخطوط الحمراء عليها.
 
القوات الحليفة لإيران تصل معبر التنف السوري ومناطق حدودية في محافظة حمص، وتدخل محافظة دير الزور من جنوبها الشرقي، ومحافظة الرقة من جنوبها الغربي، فضلا عن الجنوب السوري الذي تتواجد فيه قوات تابعة لإيران بشكل واضح.
 
وفي العراق، وصل الحشد الشعبي إلى الحدود السورية، وسيطر على مناطق جغرافية واسعة على طول الشريط الحدودي الممتد من محافظة نينوى إلى محافظة الأنبار.
 
هذه التطورات تطرح تساؤلات حول المفهوم الأمريكي لاحتواء إيران داخل سوريا، وهو مفهوم يبدو أنه مختلف تماما عن فهم المعارضة وبعض الدول الإقليمية المؤيدة لها.
 
لا يعني الاحتواء الأمريكي لإيران القضاء على تواجد الأخيرة المباشر وغير المباشر في سوريا، ولا يعني أيضا قطع خطوط التواصل والإمداد الجغرافي من إيران إلى سوريا، ليس لأن تحقيق هذين الأمرين مستحيلين لما يتطلبانه من حضور عسكري أمريكي كبير، بل لأن الولايات المتحدة تعترف وترضى بالتواجد الإيراني في سوريا والعراق.
 
لا ترغب واشنطن تكرار التجربة العراقية في سوريا، عندما نجحت طهران وإلى حد ما دمشق في تحويل الوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى عبء على  السياسات الأميركية، وهي قادرة الآن ـ بحكم تواجدها في العراق وسوريا وشبكة القوى التي تتحكم بها ـ على عرقلة وتفخيخ الوجود الأمريكي إن اقتضى الأمر.
 
وقد شهدنا كيف دفعت إيران بالقوات المدعومة من قبلها بالالتفاف على القاعدة الأمريكية في التنف والوصول إلى الحدود العراقية للقاء "الحشد الشعبي".
 
هذا الواقع تدركه واشنطن جيدا، ولذلك اعتمدت منذ البداية مقاربة دعم قوى محلية، مع بقاء قواتها في الصف الخلفي، كما يحدث في الشمال مع "قوات سوريا الديمقراطية" وفي الشرق مع "مغاوير الثورة" و"أسود الشرقية".
 
لا تقوم المقاربة الأمريكية في سوريا على البتر العسكري والسياسي، وإنما تعتمد معادلة التوازن الذي يسمح لها بدور أكثر فاعلية بما يحقق مصالحها، مع إعطاء الأخرين حصتهم، وهذه الاستراتيجية بدأ اعتمادها في المنطقة بعيد انتهاء مرحلة المحافظين الجدد زمن جورج بوش الأبن، وتقوم على مبدأ ضرورة التعامل مع القوى الإقليمية في مناطقها من أجل التوصل إلى تفاهمات مشتركة، وإن كانت في حدودها الدنيا.
 
من الواضح أن الولايات المتحدة تقبل بحضور إيراني في سوريا، كما تقبل بحصة لتركيا أيضا، لكن هذه الحصص يجب أن تبقى ضمن إطار المسموح به، بحيث لا تشكل عائقا أمام التسوية المنتظرة وفق الرؤية الأمريكية.
 
المشكلة التي تواجه عملية الاحتواء الأمريكي لإيران في سوريا، لا تكمن في البعد العسكري، وإنما في المنظومة السياسية والأمنية والاجتماعية بمختلف مستوياتها الدينية والإثنية والعشائرية، التي أصبحت مخترقة من الجانب الإيراني.
 
وأية محاولة أمريكية لاحتواء إيران تتطلب أكثر من البعد العسكري، إنها تحتاج إلى تسوية وتفاهم سياسي مع روسيا حول ماهية المرحلة المقبلة والدور الإيراني فيها، بيد أن هذا التفاهم ليس باليسير في ظل صراع النفوذ الأمريكي ـ الروسي، وليست موسكو بصدد التضحية بحليف يمتلك قوة كبيرة على الأرض (إيران) من أجل تسوية مع الولايات المتحدة لم تتضح معالمها بعد.
 
وقد بينت التجارب خلال الأشهر السابقة كيف أن موسكو تضغط على طهران في لحظات توافقها مع واشنطن، وكيف تغض الطرف عن تصرفاتها في لحظات التوتر مع واشنطن، ومن دون الوصول إلى تسوية كبرى تحدد موقع سوريا في الخارطة الإقليمية وطبيعة النظام السياسي المستقبلي، لا امكانية لاحتواء الدور الإيراني في سوريا، ولن تكون المحاولات الأمريكية سوى محاولات عبثية.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل