مقالات مختارة

لماذا إغلاق الجزيرة؟

محمد قيراط
1300x600
1300x600
عندما سأل الصحفيون ديفيد هيرست رئيس تحرير "ميدل إيست أي" عن رأيه في مطالبة دول الحصار بإغلاق قناة الجزيرة رد قائلا: "هذا كأن تطلب أنجيلا ميركل من تيريزا ماي إغلاق البي بي سي (BBC)".

 وفي واقع الأمر من يتأمل ويقرأ جيدا المطالب الـ13 لدول الحصار يلاحظ جملة من التناقضات ومن الفراغ القانوني ومن غياب الأدلة والبيانات، وحتى صياغة هذه المطالب جاءت بعيدة عن لغة القانون ومتناقضة مع القوانين والأعراف الدولية. ما يهمنا في هذا المقال هو الاكتفاء بمطلب إغلاق الجزيرة، وهل يحق لدولة أو عدة دول مطالبة دولة أخرى بإغلاق إحدى مؤسساتها الإعلامية؟

وهنا نلاحظ أن مطالب دول الحصار صيغت وقدمت بذهنية الحقد والضغينة والنيل من دولة قطر بأي وسيلة وبأي أسلوب. فلو استشارت دول الحصار خبراء قانونيين ومختصين في إدارة الأزمات والنزاعات لنصحوها بأن تراجع حساباتها وتنسى الموضوع برمته. فإذا نظرنا إلى فضائيات مثل الجزيرة سواء في المنطقة أو في العالم بصفة عامة نلاحظ وجود العربية وسكاي نيوز العربية وفرانس 24 وروسيا اليوم ودوشتي فيلا وغيرها كثير. مثل هذه الفضائيات لديها سياستها التحريرية ولديها أجندة ولديها أهداف محددة. نلاحظ مثلا أن البي بي سي انحازت إلى بريطانيا في حربها ضد الأرجنتين في النزاع حول الفوكلاند أيلاند، وسي. إن. إن انحازت إلى الولايات المتحدة في غزوها للعراق، والقائمة تطول ولا تنتهي. الواقع بالنسبة لما يجري في الخليج هو أن بعض الدول حاولت أن تنشئ لها فضائية مثل الجزيرة لكنها فشلت؛ لأن التميز والتفوق في الإعلام لا يتوقف فقط على الأموال بل كذلك الخبرة والإدارة الجيدة والحرية.

تجربة الجزيرة فريدة من نوعها لخصها أحد مسؤوليها في أن سر النجاح يتمثل في توظيف المال والخبرة والحرية بطريقة منهجية ومدروسة لتحقيق الأهداف المرجوة. بالنسبة للأهداف قد نتفق أو نختلف حولها فهناك أمور كثيرة أعتز بها أنا كعربي حققتها الجزيرة وتبقى وساما وشرفا للإعلام العربي، وهناك أمور أخرى تقوم بها الجزيرة قد لا نتفق حولها وهذا أمر طبيعي، إذا اعترفنا أن كل وسيلة إعلامية لها خطها الافتتاحي ولها أجندتها، لكن هذا لا يعني أن الجزيرة مؤسسة إعلامية يجب إغلاقها. كان من الأجدر على دول الحصار العمل على إنشاء قنوات فضائية تنافس الجزيرة في العمل الإعلامي والبحث عن الحقيقة، أما المطالبة بإغلاق الجزيرة في القرن الحادي والعشرين وفي زمن شبكات التواصل الاجتماعي والعصر الرقمي فهو مطلب تفوح منه رائحة الاستبداد والتسلط والغرور وإقصاء الأخر من دون حق؛ وحتى في الحرب الباردة وفي زمن "راديو مارتي" و"راديو موسكو" وغيرها من قنوات الحرب النفسية بين المعسكر الرأسمالي والاشتراكي لم تصل درجة الصراع والنزاع والاختلاف إلى المطالبة بالإغلاق.

فبلغة الإعلام والمهنيين والمحترفين وبعيدا عن كل التأويلات، المطالبة بالإغلاق هي المساس بحق من حقوق الإنسان، والمساس بحرية الإعلام والحق في التعبير وليس مجرد حملة ضد قناة فرضت نفسها في المنطقة العربية وفي العالم، من خلال عملها المهني والحرفي الذي أدخل إعلاما جديدا في المنطقة، يقوم على الاستقصاء والبحث عن الحقيقة ومساءلة الواقع، فالجزيرة من حقها أن تبحث عن الحقيقة والجمهور من حقه أن يحصل على أخبار صادقة وكاملة بعيدة عن أي تحيز. ويجب الإشارة هنا إلى أن الجزيرة قامت بتغطية مهنية وحرفية لوقائع وأحداث الربيع العربي ونقلت مطالب ومشاكل وهموم الشباب العربي في الدول التي تحرك وانتفض فيها الشباب. وهنا يجب الإشارة إلى أن دول الحصار أزعجها الربيع العربي وأزعجتها ثورات الشباب العربي الذي انتفض من خلالها وعبر عن استيائه وطالب بالتغيير والتخلص من الاستبداد والتسلط والحكم الجائر. كما أزعجتها الجزيرة بتغطياتها الميدانية المتواصلة التي من شأنها أن تحفز الشباب العربي في جميع الدول العربية للانتفاضة والمطالبة بالتغيير وبالحريات الفردية والمساهمة السياسية والمشاركة في صناعة القرار. هذه المظاهرات والانتفاضات بطبيعة الحال أزعجت وتزعج وتقلق غالبية الدول العربية وفي مقدمتها دول الحصار.

فالجزيرة كتجربة إعلامية سواء اتفقنا مع خطها الافتتاحي أم لا، وسواء كانت وسيلة تمثل السياسة الخارجية لدولة قطر تبقى تجربة رائدة ومن مصلحة الجميع أن يحاكيها أو يتنافس معها أو يتفوق عليها في الميدان، أما المطالبة بإغلاقها فهذا سلوك سلبي يهدف إلى القضاء على ما هو موجود ولا يقدم البديل. فدول الحصار فشلت في تقديم قنوات فضائية بمستوى الجزيرة وتطالب بإغلاقها. فلا العربية الممولة من قبل المملكة السعودية ولا سكاي نيوز عربية والتي تمولها إمارة أبو ظبي في مستوى الجزيرة، أما بالنسبة لمملكة البحرين ومصر فلا وجود لفضائيات بحجم الجزيرة. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: لماذا تخشى دول الحصار شبكة الجزيرة؟ ولماذا المطالبة بإغلاقها؟ وهنا يجب العودة إلى أصل الحصار المفتعل على قطر وما هو الهدف من ورائه. فحسب محللين وخبراء، الهدف من الحصار لا علاقة له بالإرهاب، بل الهدف هو تمرير ملفات سياسية والتطبيع مع إسرائيل وترحيل سكان غزة إلى سيناء، الأمر الذي ترفضه قطر جملة وتفصيلا. فالتخلص من الجزيرة هو الشرط الأساسي لتمرير مثل هذه البرامج والسياسات التي ترفضها الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، في جو من الكتمان والصمت. ومثل هذه الملفات لا تتوانى شبكة الجزيرة ثانية واحدة عن كشفها وتقديم تفاصيلها للرأي العام العربي والعالمي. وهذا ما يعني تقديم الخونة وعملاء التطبيع إلى محكمة الرأي العام. فالجزيرة وكما ذكرنا سالفا اتفقنا معها أو اختلفنا فهي مؤسسة إعلامية قدمت الكثير للشارع العربي، ووفرت له منبرا يختلف عما تعوّد عليه من أنشطة رسمية وروتينية مملة ولا فائدة من ورائها، حيث تفتح نشراتها بنشاط الرئيس وتختتمها بسفره في راحة استجمام إلى جنيف أو طنجة.

 وكما قال المفوض السامي لحقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة زيد بن رعد: "سواء كنت تشاهدها أم لا تشاهدها، تحبها أم تكرهها، تتفق أم لا تتفق مع وجهات نظرها التحريرية، فإن الجزيرة العربية والإنجليزية قناتان شرعيتان، ولهما ملايين عديدة من المتابعين".

الشرق القطرية
0
التعليقات (0)

خبر عاجل