قضايا وآراء

انتكاسة جديدة للدبلوماسية الفلسطينية

علي حسن أبو رزق
1300x600
1300x600
حطت طائرة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الثلاثاء في مطار ابن غوريون، في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس وزراء هندي إلى إسرائيل.

هذه الزيارة جاءت تتويجا لعلاقات أمنية واقتصادية عمرها 25 عاما بين البلدين، وهي شئنا أم أبينا تعبر عن انتصار حقيقي للدبلوماسية الإسرائيلية، التي استطاعت أن تنتزع إلى صفها حليفا تاريخيا للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتصنع علاقات قوية مع دولة دافعت باستمرار عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ومقاومة محتليه.

لم تكن هذه الزيارة هي الإشارة الأولى على متانة العلاقات الهندية الإسرائيلية. ففي عام 2015 كانت أول زيارة لرئيس هندي إلى إسرائيل؛ قام بها الرئيس مونارب موخارجي، وبعدها بشهور امتنعت الهند مع خمس دول أخرى عن التصويت على قرار يدين إسرائيل في الأمم المتحدة، أيضا قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة سميت بالتاريخية للهند في العام الذي يليه.

الهند كانت من الدول الرافضة بشدة لإقامة دولة يهودية في فلسطين، ورافضة لقرار تقسيم فلسطين، وصوتت بلا على القرار الأممي الداعي لذلك في عام 1947، بل إن الأرشيف العالمي لا زال يحتفظ بكلمة للزعيم الوطني الكبير المهاتما غاندي؛ قال فيها آنذاك "إن شعار الوطن القومي لليهود في فلسطين لا يلقى لدي تجاوبا كبيرا. إن فلسطين تنتمي إلى العرب، مثلما تنتمي إنجلترا إلى الإنجليز، وفرنسا إلى الفرنسيين، ومن قبيل الخطأ أن يتم فرض اليهود على العرب".

الدعم الهندي للقضية الفلسطينية لم يقتصر فقط على المنابر الدبلوماسية الدولية، ولكن كانت الهند من أهم الداعمين لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها الذي تزامن مع تأسيس حركة عدم الانحياز بقيادة عبد الناصر وغاندي وتيتو، إذ يروي عدد من قيادات منظمة التحرير أن قيادة المنظمة، وخصوصا الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كانوا يحظون باحترام كبير في كل زيارة للهند، بل إن هذا التقدير الكبير يصفه قيادي فلسطيني أنه في إحدى زيارات المنظمة للهند؛ قال له أحد الوزراء الهنود أن حفاوة الاستقبال التي يحظى بها الزعيم عرفات في الهند، لا تحظى بها الملكة البريطانية إليزابيث.

إذا ما الذي تغير؟ ما الذي طرأ على العلاقة الهندية الإسرائيلية؟ ما الذي جعل دولة كالهند تمتنع عن قرار يدين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها إسرائيل في الحرب الأخيرة على غزة، ما الذي جعل رئيس الوزراء نتنياهو يفاخر بوصول العلاقة مع الهند إلى مرحلة استراتيجية، رغم أن الدبلوماسي المصري المعروف مصطفى الفقي الذي عمل في السفارة المصرية في نيودلهي لسنوات؛ يقول في أحد مقالاته إنه حتى الثمانينيات من القرن الماضي كان مجرد ذكر أي محاولة لتقارب هندي إسرائيلي يثير الغضب الكبير لدى الدبلوماسيين الهنود.. إذا الذي يحدث يمثل بلا أدنى شك فشلا ذريعا للسلطة الفلسطينية في الاحتفاظ بحليف تاريخي للفلسطينيين كالهند، بل إن هذا التتويج للعلاقات يمكن اعتباره انتكاسة كبيرة للدبلوماسية الفلسطينية.

يرجع تطبيع العلاقات بين الهند وإسرائيل إلى الشهور التي تلت مؤتمر مدريد عام 1991، إذ إن هذا المؤتمر شكّل مسارا حقيقيا أفضى إلى توقيع اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993. ومن المفيد قوله هنا أنه ليس توقيع أوسلو فحسب هو السبب الرئيسي في كسر تابو التطبيع مع إسرائيل عند كثير من الدول الآسيوية والإفريقية الداعمة للقضية الفلسطينية، بل إن تمسك الجانب الفلسطيني بمكتسبات أوسلو ساهم بشكل كبير في ذلك، رغم أن الأعوام التي تلت الاتفاق شهدت نكوصا إسرائيليا عن كثير من بنود الاتفاق، بل إن عددا من المجازر الإسرائيلية الكبيرة تم ارتكابها بعد الاتفاق بشهور، كمجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994. ورغم ذلك كله، واصلت القيادة الفلسطينية الالتزام ببنود الاتفاق، بل كان ولا يزال التنسيق الأمني على مستوى عال بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهذا شكّل مبررا لعدد من الدول أمام شعوبها للدخول في تطبيع مباشر وتحسين العلاقة مع إسرائيل. فبالطبع لن تكون القيادة الهندية فلسطينية أكثر من الفلسطينيين أنفسهم.

أما بخصوص الدبلوماسية الفلسطينية، فإن الأصل في العمل الدبلوماسي الفلسطيني هو إبقاء شعوب العالم على اتصال مستمر بالقضية الفلسطينية، وبما يجري في الشارع الفلسطيني، مع ذلك فإن المتابع للصفحات والمواقع الرسمية للسفارات الفلسطينية بالخارج، يجد أن العمل الدبلوماسي الفلسطيني حديثا أصبح إلى حد كبير لا يشبه إلا النشاطات القنصلية العادية، كتنظيم أمور الجاليات الفلسطينية في الخارج واحتفالاتها الموسمية، واستخراج جوازات السفر وشهادات الميلاد للمغتربين، مع أن الدور المنوط بالسفارات الفلسطينية، يجب أن يتمثل بشكل رئيسي في فضح الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في حق البشر والشجر والحجر في الأرض المحتلة. ولكن يبدو أن الدبلوماسية الفلسطينية أصابها ما أصاب السلطة من فساد ومحسوبية وتوظيف على معايير الولاء والسلامة الأمنية. وشهدت السنوات القليلة الماضية عددا لا بأس به من الحوادث التي تثبت الترهل الكبير الحاصل في هذا القطاع الفلسطيني المهم، منها سحب تقرير غولدستون في الأمم المتحدة الذي كان يشكل إدانة كبيرة للعدو الإسرائيلي، وتورط عدد من السفارات الفلسطينية في العالم بقضايا تجسس لأجهزة مخابرات عالمية، وبيع المنح الدراسية للطلاب، كما حدث في السفارة الفلسطينية في فنزويلا، وليس آخرا فصول فضيحة اغتيال المناضل الفلسطيني الكبير عمر النايف في السفارة الفلسطينية في بلغاريا.

نظرة سريعة على آخر أخبار السفارة الفلسطينية في دولة البنجاب؛ تجد أن الدبلوماسية الفلسطينية هناك تحتفل بزيارة قامت بها العام الماضي لعدد من الجامعات الهندية لبحث سبل التعاون، مع أن تاريخ العلاقات مع هذا البلد الكبير يعود إلى سبعة عقود.. وصفحة بالعربية على فيسبوك لا يتجاوز الإعجاب بمنشوراتها عدد أصابع اليد، وأخرى بالإنجليزية معظم المنشورات والمشاركات فيها هي احتفالات للجالية الفلسطينية هناك، في بلد عدد سكانها أكثر من مليار نسمة، خُمسهم أو أقل قليلا من المواطنين المسلمين.
التعليقات (1)
يوسف خوري
السبت، 08-07-2017 03:57 م
أما عن فساد السفير الفلسطيني في أستراليا عزت عبد الهادي المالية والسياسية، وهو الأهم هنا من فساده الأخلاقي، وإتصالاته "الشبه يومية" بالسفارة الإسرائيلية كما اعترف هو ونائب السفير الإسرائيلي في مدينة أدلايد المصور والموجود على اليوتوب، فحدث ولا حرج. والجدير بالملاحظة هنا أنه كان أن طرد من الجبهة الشعبية بسبب فساده، ويبدو أن هذا المؤهل هو الذي أهله لي يعين سفير لفلسطين وبدون أي خبرة سياسية أو دبلوماسية، وهو ما يتقيه في هذا المنصب منذ أكثر من إحدى عشرة سنة.