قضايا وآراء

صيف الشرق الأوسط الساخن

غازي دحمان
1300x600
1300x600
لا يجد الناظر في خريطة الشرق الأوسط مكانا واحدا لا تتحضر جغرافيته وسكانه لحرب محتملة أو وشيكة، ولا يقتصر الأمر على بقعة واحدة وطرفين محدّدين، على ما جرى في الحروب السابقة التي شهدتها المنطقة، بل خليط من أطراف محلية وإقليمية ودولية، ومساحة تمتد من ليبيا حتى البحرين.

في سوريا أكثر من طرف يعدّ العدّة لحرب قادمة، رغم أن الجميع ينخرط في حرب لم تنقطع منذ سنوات، إلا أن الأطراف جميعها لديها مشاريع حرب قادمة لم تخضها بعد، وكأن الحروب الجارية مجرد تمرينات تجريها الأطراف للحرب الكبرى الموعودة.

ويتعقّد الصراع في سوريا ليأخذ طابع حرب الجميع ضد الجميع، ففي الوقت الذي تتوتّر العلاقات الروسية الأمريكية وتصل إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، يرتسم في الأفق صراع أمريكي- إيراني، وتوّتر أمريكي – تركي، ورغم التفاهمات التي أرستها روسيا وتركيا وأنتجت تسويات معينة، فإن ملامح صراع روسي- تركي تلوح في الأفق مع احتمال شن تركيا عملية في منطقة عفرين التي توجد فيها قاعدة روسية صغيرة.

وليس بعيدا عن سوريا، تلوح نذر حرب إسرائيلية على غزة، واحتمالية حرب أخرى في لبنان، وفي الخليج العربي تتعقد أزمة الخلاف الخليجي لدرجة تصبح فيها بعيدة عن الحلول، والغريب أن مجمل هذه الأزمات تغذي بعضها وترفد الصراع الأكبر في المنطقة.

احتمالات الانزلاق إلى حرب كبرى في بؤر التوتر المتعدّدة باتت واردة، ذلك أن أسبابها ومبرراتها ومحفزاتها ومحركاتها أصبحت متوفرة لدى جميع الأطراف، وثمة مؤشرات عديدة على دخول المنطقة مناخ الحرب:

- عدم توافق الأطراف على تقاطعات أو قواسم مشتركة للبناء عليها، ورغم ما جرى من تفاهمات موضعية إلا أنها تتميز بالهشاشة وعدم الاستقرار والديمومة، بالإضافة إلى حالة الغموض التي تلفها، كما أن الأساس فيها عدم ثقة أطرافها بعضها ببعض، ولا جديتها حيال ما تتوصل إليه من تفاهمات.

- تغليب التكتيكي على الاستراتيجي في إدارة الصراع، فجميع الأطراف تمارس ألعاب حافة الهاوية والمخاطرة على حساب النظرة البعيدة والرؤية الشمولية، ولا يمكن التمييز ما إذا كان الحاصل هو عدم تقدير صحيح للمخاطر أم استسهال المخاطر، أم إن الصدفة جعلت أصحاب الرؤوس الحامية هم المسيطرون على القرار في جميع البلدان المنخرطة بأزمات المنطقة!

- عدم القدرة على ضبط الصراع أو التحكم بمخرجاته، ورغم ما يشاع عن سيطرة اللاعبين الكبار على مجمل التفاعلات الحاصلة، إلا أن الوقائع تثبت أن هامش المناورة لدى الوكلاء أكبر ولديهم القدرة على جر الأطراف الكبرى لصراعات مدمّرة.

- سباق محموم على بناء القواعد العسكرية ونشر الجنود وتجهيز هياكل وبنى حربية، ويكفي مثال على ذلك منطقة البادية السورية التي باتت تعج بقواعد أمريكية وروسية وإيرانية في مساحة صغيرة نسبيا، حتى إن بعض تلك القواعد باتت تتجاور لدرجة التلامس في حدودها.
 
إزاء هذه التطورات ذات الطابع الفوضوي، لم يعد ممكنا تقدير ومعرفة المسارات والمألات المحتملة، ولا يمكن لأحد ضمان عدم حصول احتكاكات عنيفة بين الأطراف المتصارعة، وخاصة أنه في مناخات التوتر الشديد يصبح الخطأ في تقدير الأمور واردا، كما تضيق حدود التميز بين المناورة والمبادرة في الحرب.

غير أن المؤكد في هذه الخريطة المعقدة، أن المسار الأكثر وضوحا هو زيادة تعقيد الأزمة، أو الأزمات، لدرجة يصبح تفكيكها مستحيلا دون خوض حرب كبرى، ويتعزز هذا السياق في ظل قناعة جميع الأطراف بامتلاكها الأوراق الكافية لتحقيق الفوز، ولا داعي تاليا لتجريب مسارات التفاوض والحلول السلمية، إلا بوصفها تكتيكات خداع للحصول على التنازلات أو لتضليل الخصم.

من سيحارب من، أو على أي جبهة ستنطلق الشرارة الأولى للحرب؟ تلك مسألة يصعب التنبؤ فيها لأن الجميع يضع يده على الزناد، ولأن الجبهات كلها أكملت تجهيزات الحرب وشروطها، أما متى ستقع هذه الحرب، فالجواب قد يكون أسهل باعتبار أن التصعيد وصل إلى ذروته واستهلكت الأطراف مساحات المناورة الممكنة، ولا شك أن الصدام القادم سيكون إعلان بداية الحرب، بقي أن الأطراف ربما تضطر لحجز مواعيد حروبها في ظل زحمة الطلب على الحرب وضيق مساحات الصراع، أو استبدال ذلك بالدخول الجماعي لحرب موسّعة.
0
التعليقات (0)