مقالات مختارة

من العار أن يصمت الغرب إزاء التهديد الموجه إلى الجزيرة

جون سيمبسون
1300x600
1300x600
تصوروا لو أن كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي مايكل بارنيير طالب تيريزا ماي بإغلاق البي بي سي، كشرط من شروط التوصل إلى صفقة حول بريكسيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). بالطبع هذا أمر لا يمكن تصور وقوعه: فليس هذا هو الأسلوب الذي تدار من خلاله الأمور في الدول الديمقراطية. 
 
إلا أنه الأسلوب الذي تنتهجه الآن بعض الدول العربية المحافظة. فقد قامت مصر والمملكة العربية السعودية ومعهما البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة بشد الوثاق حول رقبة قطر، الدولة التي تشذ عن غيرها من الدول في منطقة الخليج، وأحد شروط هذه الدول لفك الوثاق هي أن تقوم قطر بإغلاق قناة الجزيرة، قناة الأخبار التلفزيونية التي تحظى باحترام عالمي، والتي تمولها قطر. وأعطوها مهلة عشرة أيام لتنفيذ ذلك. 
 
يبدو أنني غابت عني موجة الغضب العارم إزاء ذلك. فالرئيس ترامب، الذي يبرم مختلف أنواع الصفقات التجارية مع السعوديين، لم يغرد بشيء. وتيريزا ماي، التي تنهمك بكل جد في البحث عن أسواق جديدة لبريطانيا، لا ترغب في تكدير صفوهم. ويبدو أن كل الآخرين يشيحون بأبصارهم بعيدا عما يجري. 
 
على مدى واحد وعشرين عاما أصبحت الجزيرة واحدة من أكبر وأهم القنوات الإخبارية في العالم؛ إذ تقدم رؤية مختلفة عن تلك التي تقدمها المنظمات الإخبارية الغربية، وتحظى بمشاهدة عالية. لعلها تتهم بأنها منحازة لصالح حركة الإخوان المسلمين في مصر وفي غير ذلك من الأماكن، ولكنها توظف عددا من زملائي السابقين الموهوبين والمحترفين ممن عملت معهم جنبا إلى جنب في البي بي سي، وطالما شعرت بأن قلب القناة ينبض بالصدق وتوجهها توجها صحيحا. 
 
أدت تغطية الجزيرة في أيام الربيع العربي – الذي ما لبث أن أخفق – دورا مهما في الإطاحة بحاكم ليبيا العقيد معمر القذافي وبرئيس مصر مبارك. لكن يبدو أن ولي عهد السعودية المتهور والطائش محمد بن سلمان، الذي لا يتجاوز عمره واحدا وثلاثين عاما، ورئيس مصر الحانق الحاقد المشير السيسي، يجدان أنه يستحيل عليهما أن ينسيا أو يغفرا ما كان للجزيرة من دور. 
 
لقد تواطأ الاثنان على سد الطريق على سياسة قطر الخارجية المستقلة وإخراس قناة الجزيرة. أما البحرين والإمارات فيسيران في الركب لأنه لا خيار أمامهما سوى ذلك. 
 
في أوج تغطيتها، أزعجت الجزيرة كل أشكال الحكومات الأجنبية. لقد قصف الأمريكان مراسلي القناة في أثناء حملة 2001 على أفغانستان، ثم في أثناء غزو العراق في عام 2003. ويعم الغضب أرجاء العالم العربي كلما استضافت الجزيرة متحدثا باسم الحكومة الإسرائيلية، ليعبر عن آراء ما كان لمعظم العرب أن يسمعوها لولا هذا المنبر. 
 
جرت العادة في الشرق الأوسط على أن تكون وسائل الإعلام باستمرار بوقا للحكومات يعبر بإخلاص عن آرائها ومواقفها. وهذا هو الحال بالذات في مصر والمملكة العربية السعودية، ويبدو أن الأمير محمد بن سلمان والرئيس السيسي مصممان على إسكات كل صوت عربي بديل. 
 
أوشكت على الانتهاء مهلة العشرة أيام التي أعطيت لقطر لإغلاق قناة الجزيرة، ومازال من غير الواضح ما الذي سيحدث. ولكن، أليس صادما حقا أن تلتزم الحكومات الغربية الصمت إزاء ذلك؟

(ذي إيفنينغ ستاندرد)
0
التعليقات (0)