قضايا وآراء

وجهة نظر.. في أزمة حصار قطر

أحمد جرار
1300x600
1300x600
تكشف "البلطجة السياسية" التي تمارسها دول الحصار ضد قطر مدى صبيانية وارتجالية العقليات التي تدير "غرفة العمليات" ضد الدوحة بدءا من ربط ساعة الصفر بقرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية وانتهاء برفض مبدأ التفاوض على قائمة المطالب.

فهم على ما يبدو - وبحسب بعض التسريبات - وضعوا خطتهم على أساس رضوخ قطر خلال 48-72 ساعة من بدء إجراءات الحصار فلم يضعوا في حسبانهم الخطة (ب)، ومع مرور الأيام ونجاح قطر في امتصاص الضربة والقيام بسلسلة خطوات اقتصادية ودبلوماسية "قصمت" بها ظهر الحصار وجدوا أنفسهم في حرج أمام "جمهورهم" وأمام العالم، وبدلا من محاولة البحث عن مخرج دبلوماسي يحفظ ماء الوجه لهم، تفتقت أذهانهم مجددا عن خطوة ارتجالية أخرى بتجهيز قائمة مطالب "مستفزة" مصممة لكي تُرفض ورميها في وجه قطر، ثم قاموا بتسريبها للإعلام دون أن يضعوا بحسبانهم مرة أخرى أن تسريبها سيصب دبلوماسيا وإعلاميا في صالح الدوحة، ما دفعهم سريعا لاتهام قطر بذلك ومحاولة ترقيع موقفهم عبر تغريدات قرقاشية، ما لبثوا أن أتبعوها بتصريحات لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير برفض مبدأ التفاوض في خطوة أرادت قطع الطريق على كل الأصوات التي طالبت محور الحصار بتقديم طلبات عقلانية وقابلة للتنفيذ. 

عمليا لم يعد أمام محور الحصار أي ورقة ضغط على قطر فقد استنفذوا كل أوراقهم دفعة واحدة وباتوا كمن صعد لرأس الشجرة دون معرفة كيفية النزول عنها، فحتى خطوة تجميد عضوية قطر داخل مجلس التعاون الخليجي لا معنى لها في ظل الإجراءات التي تم تطبيقها على أرض الواقع من إغلاق الحدود والحصار البري والجوي فضلا عن أنها لن تحظى بموافقة عُمان والكويت والإصرار عليها يعني عمليا دق المسمار الأخير في نعش المجلس. 
 
لذلك أعتقد أن محور الحصار بات اليوم أمام ثلاثة سيناريوهات "صعبة ومكلفة":

الأول: بقاء الوضع على ما هو عليه أي تمسك محور الحصار بموقفهم والسعي لخنق قطر بكل الوسائل مع تسخير ترسانتهم الإعلامية لضخ أخبار وتقارير وتغطيات يومية لا تخرج عن سياق "شيطنة قطر" وإثبات أنها معزولة وأنها ستنهار بسبب "بلطجتهم" إضافة إلى تفعيل دبلوماسية الرز ومحاولة شراء المزيد من المواقف الدولية بالتوازي مع مواصلة حملات الإرهاب والشيطنة المكارثية لكل صوت يخرج من دول الحصار متعاطفا مع قطر. 

هذا السيناريو ورغم أنه سيبقي الضغط على قطر لكنه سيدفعها حتما إلى إعادة رسم خريطة علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة وإلى تحويل خطواتها التكتيكية العاجلة لمواجهة الحصار إلى استراتيجية طويلة الأمد ستنتهي بسحب البساط بالكامل من تحت دول الحصار، ما يعني خسارة "الرياض" وبشكل نهائي لحليف موثوق لديه الكثير من أدوات القوة الناعمة كان يمكن استثمارها لصالح الدور السعودي في ملفات المنطقة الساخنة، فضلا عن أن هذا السيناريو سيفاقم خسائر محور "الرياض-أبوظبي" الاقتصادية والدبلوماسية وسيحول حملاتها الإعلامية ضد قطر مع مرور الوقت إلى مجرد مونولوج كوميدي بائس لا يضحك أحدا. 

الثاني: أخذ خطوة إلى الوراء والقبول بمبدأ التفاوض على قائمة المطالب، هذا السيناريو إن تم وبغض النظر عن طريقه تبريره أو تسويغه من طرف دول الحصار أو حتى تقديمه على أنه إكرام للوسيط الكويتي فإنه يعني ببساطة هزيمة دبلوماسية لدول الحصار ونصرا لقطر، كما أنه سيضعهم في موقف محرج أمام جمهورهم ويمنح الدوحة الأفضلية على طاولة المفاوضات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا السيناريو سيلقى دعما من القوى الكبرى في العالم الساعية إلى إيجاد حل سريع للأزمة الخليجية ينزع فتيل التوتر من منطقة مشبعة أصلا بالعديد من الملفات الساخنة. 
 
الثالث: القيام بمغامرة عسكرية ضد الدوحة، بقدر ما يبدو هذا الخيار خياليا وانتحاريا وصعب التحقق إلا أنه قد لا يستبعد على من يدير "غرفة العمليات" ضد الدوحة فالفشل المتكرر والخيبة المتواصلة من انتزاع أي نصر من قطر قد يدفع - لا قدر الله - دول الحصار إلى مغامرة عسكرية سترتد حتما على المنطقة بأكملها بنتائج كارثية. 

فرغم قيام مغردين بارزين مقربين من "غرفة العمليات" إياها باستحضار صور الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والتلويح بأن المشهد اليوم يستدعي محاكاة لما قام به فجر 2/8/1990 لتركيع قطر وإجبارها على قبول التخلي عن سيادتها وقرارها الوطني إلا أن هؤلاء فاتهم الكثير من الحقائق، فاجتياح الكويت انتهى بتمزيق العراق وبدفع الجميع أثمانا فادحة لا سيما نظام صدام حسين نفسه، وكان مقدمة لوضع المنطقة تحت الوصاية والهيمنة الأمريكية ولسنوات طويلة ما مهد لاحقا لظهور تنظيم القاعدة الذي رفع حينها شعار "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" ناهيك عن أن مجريات الأحداث في مرحلة ما بعد الغزو صبت بشكل استراتيجي في مصلحة كل من تل أبيب وطهران. 

وفضلا عن اختلاف موازين القوى وبشكل كبير عن ذلك الزمن، فإن القيام بهكذا مغامرة تحتاج حتما إلى ضوء أخضر من واشنطن -المتربطة مع الدوحة باتفاقية عسكرية طويلة الأمد- لذلك سيكون من الصعب جدا توفر هذا الضوء في ظل انشغال الأمريكان بالحرب ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا ناهيك عن عدم قناعة غالبية مؤسسات الحكم في واشنطن بادعاءات دول الحصار ضد قطر. 

يضاف إلى هذا كله.. أن هذه المغامرة - التي ستكون سابقة خطيرة جدا - في العلاقات الخليجية الخليجية ستكلف مقترفيها ثمنا باهظا جدا سياسيا واقتصاديا وعسكريا على الصعيد الدولي والإقليمي فمحاولة تجاوز الحدود الجغرافية وفرض واقع جديد بالقوة العسكرية سيمنح المبرر لدولة مثل إيران للقيام بخطوة مشابهة في المنطقة سواء في البحرين أو المنطقة الشرقية للسعودية، كما سيدفع قوة إقليمية أخرى وهي تركيا للتدخل للدفاع عن حليفها فالتدخل العسكري ضد دولة لديها قاعدة عسكرية تركية سيكون بمثابة الإهانة الكبيرة لأنقرة سيكون من الصعب ابتلاعها.
0
التعليقات (0)