كتاب عربي 21

هل من سياسة سعودية جديدة في سوريا بعد الأزمة الخليجية؟

علي باكير
1300x600
1300x600
لطالما كان للانقسامات العربية- العربية أثرها على الأزمة السورية منذ انطلاقها في العام2011 وحتى اليوم، لكن الأزمة الخليجية الحالية ستترك تأثيرات سلبية كبيرة وغير مسبوقة على الملف السوري لاسيما في هذا التوقيت الذي من المفترض أن تحصل فيه المعارضة السورية على كل دعم ممكن.

قبل حوالي أسبوعين، قررت السعودية والإمارات والبحرين منع الخطوط الجوية القطرية من التحليق في أجوائها، وبعدها بعدّة أيام سجّلت برامج رصد حركة الطيران إقلاع طائرة للخطوط الجوية السورية التابعة لنظام بشار الأسد من اللاذقية قبل أن تهبط في الإمارات بعد مرورها بالأجواء السعودية دون أي مشاكل أو عقبات تذكر، بالرغم من أن الخطوط الجوّية السورية تخضع منذ العام 2013 لعقوبات أمريكية بسبب توظيفها من قبل حزب الله والحرس الثوري الإيراني في تحميل الأسلحة والذخائر والعتاد إلى النظام السوري!

لا يعدّ مثل هذا الأمر غريبا من الناحية الشكلية فقط، بل من ناحية التوقيت والمضمون كذلك، وقد يشكل مؤشرا بحدّ ذاته على المسار الذي من الممكن أن تتّجه به الأمور فيما يتعلق بسياسة السعودية تجاه سوريا في المرحلة المقبلة.

 لقد سبق للخلافات الخليجية- الخليجية أن أثرّت بشكل سلبي على عمل المعارضة السورية السياسية والمسلّحة وهي الآن (أي الخلافات) تضعهم من جديد في موقف حرج للغاية في وقت تتراجع فيه قوتهم أمام داعش والنظام والميليشيات الإيرانية معاً لاسيما بعد أن رمت روسيا بثقلها إلى جانب الأسد خلال المرحلة الماضية. 

وبالرغم من أنّ أحداً من المعارضة لا يريد أن ينحاز إلى أي طرف من أطراف الأزمة التي تقع خارج إطار حساباتهم فيما يتعلق بمعركتهم الأساسية ضد الأسد، إلا أنّ هناك مخاوف من أن يتم الضغط على بعض المجموعات لافتعال مشاكل أو معارك جانبية تماما.

والمشكلة في الأزمة الخليجية الحالية أنّها قد تكون مقدّمة لتحولات كبرى في المنطقة. وفق مصدر مسؤول على إطلاع واسع بالملف السوري، فإن الموقف السعودي من الأزمة السورية كان قد بدأ يتحوّل قبيل الأزمة المفتعلة مع الدوحة بقليل، حيث أظهرت العديد من المؤشرات آنذاك على أنّه يبتعد عن الموقف التركي- والقطري في الملف السوري رويدا رويدا وينحاز أكثر فأكثر إلى الموقف الإماراتي والمصري.

موقف كل من الإمارات ومصر في الملف السوري كان ولا يزال أقرب إلى الموقف الإيراني منه إلى الموقف السعودي والتركي والقطري. سلوك القاهرة وأبو ظبي كان يتفادى دوما الدور الإيراني ودور ميليشيات إيران هناك، ويركّز بدلا عن ذلك على المجموعات السنّية المسلحة بشكل عام بغض النظر إذا ما كانت مصنّفة إرهابية وفق قرارات مجلس الأمن أم غير مصنّفة كذلك وتشارك في مفاوضات سياسية.

 كلا البلدين ساعدا النظام السوري بشكل مباشر أو غير مباشر عبر العملية السياسية أو عبر دعم أمني أو لوجستي. وزارة الخزانة الأمريكية وضعت العديد من الشركات المتواجدة في الإمارات على القائمة السوداء وفرضت عليها عقوبات منذ العام 2011 وحتى العام الماضي2016 وذلك بسبب خرقها نظام العقوبات المفروض على نظام الأسد. وقد تضمنت خروقات هذه الشركات المتواجدة في أبو ظبي ودبي وإمارات إمداد نظام الأسد بالنفط ووقود الطائرات والقيام بمشتريات عسكرية نيابة عنه وقدمت خدمات لمؤسسات تابعة للنظام السوري فرضت الولايات المتّحدة عليها عقوبات كالاستخبارات والاستخبارات الجوية والقوة الجوية والجيش.

منذ حوالي العامين تقريبا، يستثمر كلا البلد ينفي المجال السياسي والعسكري في سوريا وفق نظرية تقول إنّ لا مشكلة في قبول بقاء الأسد، وقد وضعا قدما لهما عبر توظيف العامل القبلي السهل التطويع والتوجيه في سوريا، والذي من الممكن له أن يقبل الأسد مجدداً وأن يحارب داعش أيضاً.

وفي هذا السياق، يعدّ أحمد الجربا الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري المعارض والذي كان محسوبا من قبل على الجانب السعودي عامل الالتقاء المشترك بين كل من مصر والإمارات. ويبدو أنّ الإستراتيجية المتّبعة للإمارات في سوريا تركّز على محورية الرجل من خلال موقعه القبلي، إذ تمكن بمساعدتها من تكوين قوّة من بضعة آلاف تعمل إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية التي تشكّل ميليشيات (بي واي دي/وآي بي جي) الكردية عمادها.

ما يميّز هذه القوات هو أنّها تتلقى دعما أمريكيا غير محدود، وهي معادية لتركيا في المجمل، وتهدف إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من المساحة على الأرض بعد خروج داعش، ولا مشكلة حقيقية بينها وبين الأسد، وهذه النقاط بالتحديد هي المدخل لتحوّل الموقف السعودي.

قبل 6 أشهر فقط، أجرت وكالة "أرم" الإماراتية مقابلة مع الجربا وأجاب على سؤال بالقول: "لا مشكلة في بقاء الأسد إذا كان ذلك في صالح الدولة السورية". يشير البعض إلى أنّ الموقف الإماراتي قد أثّر بشكل كبير على قراءة الموقف السعودي للأحداث، واستنادا إلى ما قاله المصدر المسؤول الذي نقلنا عنه آنفا، فان هناك قناعة لدى عدد من المسؤولين السعوديين من بينهم من هو موجود في أعلى هرم السلطة في الرياض بانّ بقاء الأسد في سوريا أمر لا مفر منه، وانّه بالإمكان الاستفادة من ذلك في مكافحة الإرهاب".

 لا شك أنّ مثل هذا الطرح يحمل معه تناقضات كبيرة، إذ أنّ جزءا أساسيا من مشكلة نظام الأسد أنّه خلق حالة الإرهاب التي يجري مكافحتها اليوم في سوريا، أمّا التناقض الآخر فهو  إبداء الاستعداد للانفتاح على التعامل مع الأسد الحليف الأول لإيران في المنطقة، في مقابل فرض حصار على قطر بحجة علاقة مزعومة مع طهران!

يقول المصدر إنّ "مسؤولا سعوديا يرى تخيير الأسد بين البقاء مع تخليه عن إيران أو الرحيل إن أصر على بقاء العلاقة مع إيران"، لكن المشكلة في هذه المعادلة أنّ مفاتيح بقاء أو رحيل الأسد ليست في يد السعودية حتى يتم اشتراط مثل هذا الأمر عليه الآن، وهي لا تمتلك الآلية التي تستطيع من خلالها فرض هذا الأمر، كما أنّ تخيّل بقاء الأسد من دون إيران هو بمثابة وهم كبير جداً.

ما قاله المصدر أعلاه أكّده مسؤول رفيع المستوى أشار إلى أنّ "السعودية ستحاول تحقيق ذلك من خلال إقناع روسيا، ولهذا فان جزءا من أهداف الزيارة التي قام بها محمد بن سلمان إلى موسكو مؤخراً كانت تتعلق بهذا الأمر تحديداً".

لكن افتراض أنّ السعودية قادرة على إقناع روسيا بمثل هذا الأمر مسألة عليها علامات استفهام في أحسن الأحوال، فضلاً عن حقيقة أنّ جزءا من هذا القرار يتعلق أيضاً بشريك موسكو الاستراتيجي في سوريا وهو إيران.

تشير التقديرات إلى أنّ لدى إيران حوالي 60 ألف مقاتل في سوريا ينتمون إلى الحرس الثوري والميليشيات التابعة له من سوريا ولبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها من البلدان. هذا العدد اكبر بكثير مما هو متوافر من قوّة حقيقة لدى جيش الأسد الآن، وإن افترضنا أنّ موسكو ستوافق على الطرح السعودي، فمن دون موافقة إيران لن تسير الأمور كما يتوقع البعض.

في هذه الحالة سيكون هناك حاجة إلى إقناع إيران أو محاربتها حتى يتم فرض هذا الخيار عليها. من الصعب جدا تصوّر أن تتخّلى إيران عن الأسد خاصة في هذه الظروف -التي يتقدّم فيها على الصعيد العسكري والسياسي حيث يركّز الجميع على محاربة داعش-، إلاّ إذا كان هناك بديل عنه بنفس درجة ولائه لها أو أكثر، ولا توجد معلومات الآن تشير إلى أن هناك نقاش حول شخصية ما لاستبدال الأسد بها، فضلا عن وجود هذه الشخصية بالصفات المطلوبة.

خلال الآونة الأخيرة، ارتفع منسوب الاحتكاك بين القوات الأمريكية من جهة والميليشيات الداعمة للأسد والموالية لإيران  من جهة أخرى وذلك في محيط معسكر التنف قرب المثلث الحدودي السوري- الأردني- العراقي. قامت القوات الأمريكية بتوجيه ضربتين أو ثلاث خلال الشهر الماضي لبعض هذه المجموعات التي اخترقت المنطقة ورفضت الانسحاب منها، وذلك نظرا لما تحمله من تهديد على القوات الأجنبية الموجودة في القاعدة العسكرية هناك فضلا عن قوات المعارضة السورية التي يتم تدريبها.

كما قامت القوات الأمريكية لاحقا بإسقاط طائرة استطلاع كانت قد ألقت قنبلة تبيّن أنها من صنع إيراني، وأسقطت طائرة لنظام الأسد اليوم قرب الطبقة بعدما استهدفت قوات "قسد" قرب الطبقة. يتوقع كثيرون أن تزداد مثل هذه الحوادث من الآن وصاعداً، فمع انهزام داعش في العديد من المناطق في سوريا والعراق، هناك سباقا محموماً لملئ الفراغ الذي تتركه والسيطرة على مزيد من الأراضي لأنّ هذا العنصر بالتحديد هو الذي سيحدد توجهات المرحلة المقبلة.

وفي هذا السياق، يسعى جميع اللاعبين إلى التفكير في مرحلة ما بعد داعش، وهو سباق قد يؤدي إلى صراع وتصادم في مرحلة لاحقة. إيران بدأت تأخذ الخطوات اللازمة لتحصين مواقعها في المنطقة وتوظيفها للرد على أي محاولة اعتداء عليها، لذلك لن يكون من السهل دفعها في سوريا إلى الوراء واستبدال الأسد،فهي قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ممر لها من طهران إلى البحر المتوسط لأوّل مرّة منذ قرون،وقد أبدت اليوم كذلك رغبتها في الدفاع عن مكتسباتها من خلال استعراض للقوة تضمن إطلاق صاروخ بالستي متوسط المدى لأوّل مرّة في تاريخها ضد سوريا دير الزور) بحجّة الهجمات التي تبنّتها داعش داخل إيران هذا الشهر.

إدارة ترامب عبّرت عن استعداداها لمواجهة النفوذ الإيراني ودفعه إلى الوراء عدّة مرات، لكن أولويتها الآن لا تزال داعش والقاعدة ومحاربة الإرهاب وليس استبدال الأسد، ومن الصعب إن لم يكن مستحيلا افتراض أنّ الولايات المتّحدة ستخوض معركة مع إيران بالنيابة عن السعودية أو غيرها من الدول.

 تعويل السعودية على الولايات المتّحدة في هذه المرحلة لتخيير الأسد بين البقاء من دون إيران أو الرحيل، لا يبدو واقعيا وسيؤدي حتما إلى نتائج عكسية خاصة إذا قامت بالتواصل مع نظام الأسد بهذا الشأن. فالأمريكيون يعانون من تخبط كبير حول كيفية التعامل مع الوضع.

 هناك مسؤولون في إدارة ترامب يريدون بالتأكيد تحجيم إيران وان تطلب ذلك مواجهة عدد من أذرعها ولاسيما في جنوب شرق سوريا، لكن ماتيس وبالرغم مما يعرف عن موقفه الحاد من إيران لا يزال يرفض ذلك باعتبارها مغامرة خطيرة قد تجر الولايات المتّحدة إلى مواجهة مع طهران حيث بإمكان الأخيرة توظيف الآلاف من مقاتليها الموجودين في سوريا والعراق بالإضافة إلى المئات من الحرس الثوري ضد التواجد الأمريكي.

 يفضل المسؤولون العسكريون الأمريكيون التركيز على داعش بما في ذلك ويزر الدفاع ورئيس هيئة الأركان والمبعوث الخاص لمكافحة داعش القوات الأمريكية كانت قد أوضحت بشكل علني بأنها لا تسعى إلى الاشتباك مع نظام الأسد أوالمليشيات الموالية له إلا إذا تم تهديدها،وبالتالي فانّ ما قد تلحق به السعودية كل من الإمارات ومصر في الملف السوري قد يدخلها أيضاً في نزاعات مع محاور أخرى داخل سوريا وفي المنطقة، فالموافقة على بقاء الأسد سيكون مجرّد سراب ولن يحل المشكلة حتى لو حصل.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل