كتاب عربي 21

مركزية القضية الفلسطينية كامنة في أزمة الخليج!

ساري عرابي
1300x600
1300x600
بالتأكيد، لم تعد مركزية القضية الفلسطينية ذلك الموضوع الذي لا يختلف عليه عربيان. والفلسطيني الذي يتحدث اليوم عن مركزية قضيته متهم بالنرجسية والحطّ من قضايا العرب الأخرى التي تبدو أكثر حضورًا في راهنها. وهذا مفهوم، وله أسبابه، إن من مسار انحدار الدولة العربية الذي وصل غايته اليوم من التشظي والانفجار، أو من جحيم انفجاراته التي تحترق بها الجماهير في غير مكان من بلاد العرب.

تلك موضوعة كبرى، ينبغي أن تحظى بالمساحة التي تكفي لنقاشها، ولكن الفقرة أعلاه، مجرد مقدمة اعتذارية، تنطوي على إقرار واضح، بوعي الكاتب الفلسطيني، بأن الحديث عن مركزية قضيته مثير اليوم إما للسخرية أو للاستفزاز، وهي والحال هذه محل سوء فاهم يحتاج بسطًا واسعًا من الكلام لدفعه، ليست هذه المقالة مقامه.

أما الفكرة من هذه المقالة كما يفصح عنوانها، فلا شك أنها أول النظر تتردد بدورها ما بين السخرية والمفارقة، والأمر ليس بعيدًا عن ذلك رغم جدّيته، إذ مركزية القضية الفلسطينية هنا تأتي من موقع معكوس، أو من اتجاه آخر غير الاتجاه الأصلي، وعلى غير ما ينبغي أن يكون عليه الحال، لكن ذلك الموقع المعكوس لا ينفي مركزيتها وإنما يؤكدها من حيثية ما.

ثمة كلام كثير يُقال الآن عن أن حصار قطر يندرج في جانب منه في تصورات تتواطأ عليها بلاد عربية مع الكيان الصهيوني وتسعى لترويجها لدى إدارة ترامب، وأن هذه الأخيرة تقترب من تلك التصورات بشكل أو بآخر، وكاتب هذه السطور كان يتحدث عن ذلك منذ مطلع هذا العام.

لا يعني ذلك أن تلك التصورات ناجزة، ولكنها موجودة في حدّ منها، وهو خطير، والحديث عنه شبه معلن، وجرت محاولة عربية للضغط على قيادة السلطة الفلسطينية للتمهيد له، أو فتح الباب له؛ في القمة العربية التي عُقدت في البحر الميت بالأردن أخيرًا، وقيل إن ترامب صارح به عباس في زيارته الماضية لفلسطين، حينما قال له إن التطبيع العربي مع "إسرائيل" سيكون مقدمًا على حلّ القضية الفلسطينية، ولم يخيب ذلك النفر من العرب تلك المخاوف إذ نصّوا في بيان قمتهم مع ترامب على تشكيل "تحالف شرق أوسطي إستراتيجي".

ما يقال فيما هو أكبر من ذلك؛ قد لا يكون متبلورًا بصورته النهائية، ولكن ينبغي التأكيد أن المخاوف التي تتحدث عن مخطط تصفوي ليست محض تخرّصات عربية وفلسطينية اعتيادية،أي تلك المخاوف التي تحاول تفسير حديث السيسي عن "صفقة القرن"، وتحاول فهم إجراءات ومقترحات وقرارات الحكومة الصهيونية المكثفة بخصوص القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية، وتحاول فهم الحديث الذي لا يلبث أن يخبو حتى يصعد من جديد عن دولة غزة، أو دولة (غزة + سيناء)، والذي بدأ يتسرب منذ العام 2013، ومصحوبًا بإجراءات تهجير مريبة في سيناء.

إن المقترحات التصفوية الكبرى لا تنبت في الفراغ، وإنما تقتات على الزمن، واجترارها المزمن لا يعني أنها تأكدت أوهامًا بعدما اختبرت طويلاً على الألسن وفي الكلمات دون أن تتحقق في وقائع، فما وُقّع عليه في اتفاق أوسلو، وما أفضى إليه ذلك الاتفاق، كان أحاديث اجترت آلاف المرّات قبل توقيع ذلك الاتفاق بأكثر من عشرين عامًا.

حسنًا قد لا يكون كل ذلك ناجزًا، وقد تكون تلك الكلمات والأفكار والتصورات مجرد تهويمات عير متعينة ولا متحددة ولا متشكلة بعد، لكن المؤكد أن دولاً عربية، منها التي تحاصر قَطر الآن، تضطر إلى الكيان الصهيوني، أو تحتاج له، أو تنسج التحالفات معه، لأغراض لا ينبغي في بعضها أن يكون هناك أهمية لهذا الكيان!

في مقالة سابقة تساءلنا؛ لماذا لا يتعرّف الطموح الإقليمي لبعض الدول العربية إلا بالاقتراب من العدو الصهيوني؛ ورعاية الشخصيات والمشاريع المشبوهة المتعلقة بالقضية الفلسطينية؟! ولماذا تتماهى سياسات بعض الدول العربية تمامًا مع رؤى العدو بخصوص كل شيء في منطقتنا تقريبًا؟!

وبالعودة إلى الأزمة الخليجية الجارية، وبالنظر إلى التحليلات التي تردّ جانبًا من الأزمة إلى التنافس القطري الإماراتي المزمن، وتضاد الرؤى والسياسات بين البلدين، نعيد السؤال أعلاه فيما يخصّ الإمارات.

وبالنظر أيضًا إلى السبب السعودي المباشر في تلك الأزمة، أي مسألة خلافة الملك وطموح ولي ولي العهد بالوصول المبكر إلى "العرش"، وبالرجوع إلى الخلف قليلاً، واستدعاء جملة التحركات والتصريحات والأحداث التي تشير إلى نوع من الاتصال بين السعودية والكيان الصهيوني، وحشر حماس المصطنع في الأزمة الخليجية من طرف أوساط سعودية، وما يترتب على نقل الجزيرتين "تيران وصنافير" من استفادة إسرائيلية؛ يمكن لنا أن نسأل عن علاقة الكيان الصهيوني ودوره وأثره في شأن سعودي داخلي صرف؟!

أما مصر، وهي إحدى أطراف حصار قطر، ومع سياسات التدمير الذاتي التي انتهجتها الأنظمة المتعاقبة، وبلغت ذروة غير مسبوقة مع عبد الفتاح السيسي، فقد خسرت أكثر وزنها وقيمتها ودورها، سوى أن الحظ الجغرافي جعلها على الحدّ الغربي لفلسطين، فاستبقت شيئًا من تلك القيمة بمجاورتها لفلسطين المحتلة، وبالتالي أهميتها فيما يتعلق بالصراع مع الكيان الصهيوني؟!

هذا فقط فيما يتعلق بالأزمة الخليجية وحضور الكيان الصهيوني دون أن نوسّع البحث عنه في غير ذلك من البلاد العربية.

والشاهد هنا هو الحضور المركزي والكثيف وغير المفسر في ظاهره في بعض الأحيان للكيان الصهيوني في الأزمة الخليجية، بما يجعل من وجود هذا الكيان، مشكلة عربية بالضرورة لا فلسطينية فحسب، وبهذا تظلّ القضية الفلسطينية قضية عربية من بوابة مصالح العرب، حتى لو تخلّوا عنها من بوابة مسؤوليتهم المباشرة عن ضياعها، ومسؤوليتهم العامة عنها أخلاقيًّا وقوميًّا ودينيًّا.

بكلمة أخرى؛ إن أي مشروع نهضوي أو تحرري عربي، مرهون بعضه بوجود هذا الكيان، وأن من أراد معالجة القضايا الكلية الكبرى في بلده، فعليه بالضرورة ألا يغيّب أبدًا العامل الإسرائيلي من حساباته، والذي بات اليوم أكثر وضوحًا وافتضاحًا من أي وقت مضى، ولأن جانبًا من ظهوره الفجّ الآن غير مفسّر بأدوات التحليل التي تستند إلى المعطيات الظاهرة، فإنّه لا مناص من افتراض وجود اختراقات تتمثل بأشكال نفود عميقة لذلك الكيان في بلادنا العربية!
0
التعليقات (0)