قضايا وآراء

معشر العلماء.. اتقوا الله على الأقل في رمضان

أواب المصري
1300x600
1300x600
أفهم أن المخلصين من أبناء هذه الأمة مستاءون مما يشهده الخليج بعد الحصار السعودي الإماراتي لدولة قطر. وأفهم كذلك أن ما يتمناه الطيبون هو أن يزيل الله الغمّة التي ألمّت بالخليج وزادت الأمة العربية والإسلامية ضعفاً وانقساماً وترهلاً. لكنْ ثمة فارق كبير بين تأييد وحدة المسلمين وعودة الوئام فيما بينهم، وتجاهل المشهد الحاصل، والمساواة بين الجاني والضحية..

بين من اخترع أزمة مفبركة وشنّ حملة من الكذب والافتراء والخداع والحصار والتآمر، وبين من يتعرض للحصار والافتراء والكذب والخداع. بين مَن يقود حملة عالمية لحصار جاره والضغط عليه لإخضاعه وسلب قراره وإرادته وسيادته، وبين من يعمل على تأمين طعام شعبه والمقيمين على أرضه.

لا خلاف على أن ما تتعرض له دولة قطر هو جريمة موصوفة بكل المقاييس الإنسانية والأخلاقية والشرعية. وإذا كان علماء الأمّة جبِنوا عن توصيف ذلك وتخلّوا عن واجبهم بإعطاء الحكم الشرعي، فإن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي قام بالواجب وخاطب دول الخليج قائلاً في تغريدة له "اتقوا على الأقل في رمضان". بينما تولّت منظمات ومؤسسات حقوقية وإنسانية دولية -نحمد الله أنها لا تدين بالولاء لجلالته ولا لسموّه- توصيف ما يجري، فاعتبرت الحصار الجوي والبحري والبري المفروض قطر انتهاكا جسيما للحقوق الإنسانية للسكان الذين يعيشون على أرضها. علماً بأن الجرم المرتكب بحق قطر وأهلها لا يرتبط فقط بالحصار، بل كذلك بحملة التشويه والافتراء والكذب التي تُصرف عليها الملايين لمحاولة إقناع العالم بصدق الأكاذيب والافتراءات. 

هذه الحملة التي بدأت بفبركة تصريحات لأمير قطر ومتواصلة كل يوم بتقارير تلفزيونية ومقالات صحفية نبشت التاريخ وتدقق بالحاضر وتخترع للمستقبل، كل ذلك في سبيل تشويه صورة قطر والإساءة لأهلها والسعي لقطع أواصر قربى وعلاقات صداقة تعود لما قبل تشكيل الاستعمار البريطاني للخليج العربي. 

بعد كل ذلك يخرج علينا عالم دين أو جمعية أو هيئة فيدعون للمّ الشمل والتعقل والحوار بين المتخاصمين. من هم المتخاصمون؟ لمّ الشمل بين من ومن، من هو الطرف الذي خرج عن التعقل ويرفض الحوار وأعلنها حرباً شعواء على جاره وأخيه وعلى تاريخه وجغرافيته، هل الحكمة تكون بالمساواة بين الجاني والضحية أم بإبراز الحق ومناصرة المظلوم؟!.

علماء الأمة تجاه ما تتعرض له قطر ثلاثة أصناف: صنف مأجور معروف سعره وولاؤه، وهذا لا عتب على ما يصدر عنه، فقد اعتدنا على تدوير فتاويه ومواقفه بما يناسب السلطان. وصنف ثان يخشى إغضاب السعودية والإمارات لما لهما من سطوة ونفوذ وقدرة على التضييق والمحاصرة كما يفعلون مع قطر فالتزم الصمت..
 
وصنف ثالث ليس مأجوراً ولا يخاف على مصالحه، بل على الأمة ويسعى للوحدة بين أبنائها. مواقف هذا الصنف تنوعت، بين من امتلك الجرأة في الوقوف إلى جانب قطر في مواجهة ما تتعرض له، وبين آخر أصدر موقفاً ضبابياً لم نفهم منه شيئا. 

معشر العلماء الذين وقفوا إلى جانب الباطل في مواجهة الحق، ويساندون الظالم على المظلوم، لا يسعنا إلا أن نقول "عليكم من الله ما تستحقون"، فإذا لم تستح فاصنع ما شئت. 

أما معشر العلماء المخلصين الذين أصدروا مواقف وبيانات إنشائية رمادية لم تنصر الحق، واكتفوا بالدعوة لرأب الصدع وعودة الوئام بين المتخاصمين، فموقفكم معيب، ويطعن بصدقيتكم..

لم يكن متوقعاً منكم أفضل الجهاد بقول الحق عند سلطان جائر، لكن أقلّه فلتصمتوا، ولا تصوّروا الأمر وكأنه خلاف بين طرفين. ألستم أنتم من ترددون على المنابر قول الله تعالى "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ". لا ننتظر منكم أن تقاتلوا الفئة الباغية، لكن إذا لم تمتلكوا الشجاعة لتسمية هذه الفئة فلتصمتوا فهو خير مما قلتم وتقولون.

معشر العلماء، لا يسعني إلا أن أضم صوتي لصوت أفخاري أدرعي وأقول لكم "اتقوا الله على الأقل في رمضان".

0
التعليقات (0)