قضايا وآراء

هل طلب الإخوان من عبد الناصر فرض الحجاب في مصر؟!

عصام تليمة
1300x600
1300x600
ذكر مسلسل (الجماعة) الجزء الثاني: أن الأستاذ حسن الهضيبي مرشد الإخوان المسلمين الثاني ناقش جمال عبد الناصر رئيس مصر السابق في فرض الحجاب على نساء مصر، فقال له عبد الناصر: حجب بناتك أولا، ثم في حوار دار بين الهضيبي وبناته رفضن الحجاب، هذا الموقف ما ذكره المسلسل، فما حقيقة الموقف؟
 
وهذا الموقف المكذوب، الذي لا أصل له إلا من حاكم عسكري مستبد، تبدأ قصته من فيديو منقول عن التلفزيون المصري، يقول فيه عبد الناصر: في سنة 1953م كنا نريد التعاون مع الإخوان، والتقيت بمرشد الإخوان فقال لي: عايزين نفرض الحجاب، ونخلي كل واحدة ماشيه في الشارع تلبس طرحة. 
 
قال لي: أنت باعتبارك الحاكم مسؤول. قلت له: أنت لك بنت في كلية طب مش لابسة طرحة، ملبستهاش ليه، إذا انت مش قادر تلبس بنت واحدة طرحة، هلبس انا عشرة مليون واحدة.
 
وهذه الحادثة كذب من أولها لآخرها قولا واحدا، لدلائل مهمة عدة، وقبل سوق الدلائل على كذبها، هناك تفاصيل حول الخبر لا بد من توضيحها، وهي: أن مصدر المعلومة هو عبد الناصر وفي لقطة تلفزيونية، والتلفزيون المصري بدأ البث في 12 يوليو سنة 1960م. 
 
وهذا معناه أن هذا المشهد لن يكون قبل هذا التاريخ، وفي هذا التوقيت كان حسن الهضيبي وبقية الإخوان في السجن، ولم يخرج إلا بعد وفاة عبد الناصر، فلا يوجد من يرد ليكذب ناصر فيما يذكر، فالكلام إذن من جانب واحد، فضلا عن أنه الحاكم العسكري المعروف بدمويته واستبداده مع المعارضين، إن وجد له معارض.
 
أما الدلالة القوية على كذب عبد الناصر، فهو أن هذا الرأي والفقه لم يكن من آراء الهضيبي، ولا الإخوان وقتها، فليس في أدبيات الإخوان في هذا التوقيت أي نص يفيد بفرضهم الشريعة للتطبيق، أو فرض الفرائض على المجتمع سواء حكموا أم لم يحكموا، فتراث البنا يخلو تماما من ذلك، وهو مرجع الإخوان في ذلك. 
 
وكانت هناك فتوى للبنا سنة 1943م على ما أذكر طالبه أحد الإخوان بتنفيذ الحدود فيما بينهم في الجماعة، فرفض ذلك حسن البنا، موضحا أن هذا دور الحاكم، عندما يتهيأ المجتمع، ويطبق الشرع، وليس ذلك من حق الأفراد أو الجماعات.
 
أما حسن الهضيبي فهناك تصريح مهم جدا له ينفي هذه الكذبة التي ادعاها عليه عبد الناصر، وفي أمر أخطر من الحجاب وأكبر منه دينيا، وهو قضية تطبيق الشريعة. 
 
فعندما أعلن الرئيس اللواء محمد نجيب إلغاء الدستور المصري سنة 1952م بعد قيام ثورة يوليو ببضع شهور، وقد كانت النيات المعلنة تتجه إلى إعلان تطبيق الشريعة، وأن الدستور الجديد سيستند في كل ما فيه للشريعة الإسلامية. 
 
فصرح الأستاذ حسن الهضيبي بما يلي: (أنه يرى أن تستفتى الأمة أولا في دستورها الجديد؛ وهل هي تختار شرائع الإسلام أم شرائع الغرب، فإذا رأت الأمة أن تُحكم بالإسلام، كان على اللجنة التي تشكل لصياغة الدستور أن تنفذ ذلك، وأن تلتزم به، ولم تعد مطالبتها بالتزام الشريعة استجداء لا يليق بالإسلام، ولا بالأمة المسلمة، وإذا رأت الأمة أن تُحكم بشرائع الغرب، وهو رأي لا يمكن أن يقول به مسلم، عرفنا أنفسنا، وعلمنا الأمة أمر ربها، وما يجب عليها). 
 
انظر: مجلة (المسلمون) الشهرية العدد الثاني من السنة الثانية الصادر في ربيع الآخر سنة 1372هـ ـ ديسمبر سنة 1952م. ص: 103. فهل من يطلب الاستفتاء على دستور يستند للشريعة الإسلامية، سيطلب فرض الحجاب الذي هو فرع عن الشريعة؟!!
 
ونلاحظ أن التصريح قريب من التاريخ الذي ادعاه عبد الناصر، وهو ما يعني عدم تغير رأي الهضيبي أو الإخوان، ثم في التوقيت ذاته بادر الإخوان بكتابة دستور مقترح لمصر، قامت به الشعبة القانونية في جماعة الإخوان، ولا يوجد فيه نص على فرض الحجاب، أو الشريعة الإسلامية على الشعب، ففي الباب الرابع من هذا الدستور بعنوان: في حقوق الأفراد، المادة (88): لكل فرد الحق في حرية التفكير والاعتقاد والتدين. 
 
والمادة (89): لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير.
 
فهذه القصة كما أوضحت مكذوبة تماما، وهذا ليس مستغربا فهي طبيعة العسكر لا يجرؤ على اختلاق الأكاذيب إلا على من لا يملكون حق الدفاع عن أنفسهم وتكذيبهم، فعلها عبد الناصر مع الإخوان، ومع الوفد، ومع مصطفى أمين، ومع زملائه العسكر محمد نجيب وغيره عندما كانوا في السجون أو الإقامة الجبرية. 
 
وفعلها السادات في أحداث سبتمبر في خطابه الشهير في حديثه عن رموز المعارضة المصرية وهم في السجون، وفعلها السيسي عند حديثه عن خيرت الشاطر والإخوان بعد حبسهم في السجون ظلما، باختلاق أكاذيب لا أصل لها إلا رأسه وقلبه المملوءان بالكذب.
0
التعليقات (0)