كتاب عربي 21

الموقف التركي من أزمة قطر

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
أعلنت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فجر الاثنين، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وأغلقت هذه الدول مجالاتها الجوية والبرية والبحرية أمام كافة وسائل النقل القطرية، وطلبت من الدبلوماسيين القطريين المغادرة، في خطوة فاجأت جميع المراقبين. لأن المتوقع بعد قمة الرياض كان أن يوجَّه التصعيد ضد إيران لا دولة قطر.

الموقف الشعبي التركي من محاولة محاصرة قطر متميز منذ اللحظة الأولى للأزمة، وداعم للدوحة، ويعبر الأتراك في مواقع التواصل الاجتماعي عن تضامنهم مع قطر ضد الهجمة الشرسة التي تستهدفها، تقديرا لوقوف قطر إلى جانب بلادهم في أيامها الصعبة، ويقولون إنها تتعرض لمؤامرة مشابهة لتلك التي استهدفت تركيا ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز الماضي.

الأتراك يرون حجم المؤامرة التي تحاك حول قطر، ويدركون أسبابها، ويؤكدون أن الدوحة مستهدفة لمواقفها المشرفة والإنسانية من قضايا المسلمين ومطالب الشعوب الثائرة من أجل حريتها وكرامتها، ووقوفها إلى جانب قطاع غزة المحاصر، ويعرفون أن الاتهامات الموجهة لقطر وقيادتها لا أساس لها من الصحة. 

الجبهة التي تستهدف قطر وتحاول محاصرتها هي ذات الجبهة التي دعمت الثورات المضادة، وأسقطت الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي بانقلاب عسكري، وتمنت -على الأقل- نجاح محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا وإسقاط رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. وأدَّى هذا الاصطفاف إلى تعاظم حب الشعب التركي لقطر وتعاطفه مع الدوحة.

أما الموقف التركي الرسمي من الأزمة فجاء في بداية الأزمة أقل من مستوى التعاطف الشعبي، ويمكن وصفه بـ"الحذر"، وصرح نعمان كورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي والمتحدث باسم الحكومة، بأن أردوغان أجرى اتصالات ثنائية مكثفة مع أطراف خليجية بهدف احتواء الأزمة، مؤكدا أنّ بلاده ستفعل كل ما يقع على عاتقها للحيلولة دون تفاقمها، فيما دعا رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، دول مجلس التعاون الخليجي إلى حل الأزمة مع قطر عبر الحوار، مشيرا إلى أن بلاده تلقت بحزن إجراءات دول الخليج تجاه قطر.

الموقف التركي يتسم حاليا بالتريث، وعدم الاستعجال في التدخل في المشاكل بين الأشقاء، وحث الأطراف على حل الأزمة من خلال الحوار، آملا في أن تنتهي الأزمة في أسرع وقت وقبل أن تتفاقم أكثر، وأن تنجح جهود الوساطة التي يقوم بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وغيره. ولكن ماذا لو فشلت جميع الجهود المبذولة لاحتواء الأزمة.

تركيا لا يمكن أن تقف إلى جانب الجبهة التي تسعى إلى محاصرة قطر، ولا يمكن أن تتفرج على الأزمة محايدة، لأن الدوحة من أبرز حلفاء أنقرة في المنطقة، ورؤى البلدين ومواقفهما من الملفات الساخنة شبه متطابقة، كما أن قطر أميرا وحكومة وشعبا كانت أول من وقف إلى جانب إرادة الشعب التركي حين تعرضت لمحاولة الانقلاب قبل حوالي سنة.

تركيا، مثل قطر، وقفت إلى جانب مطالب الشعوب الثائرة منذ انطلاق شرارة الربيع العربي، ورفضت الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس الشرعي المنتخب في مصر محمد مرسي، ولا ترى جماعة الإخوان المسلمين ولا حركة حماس منظمات إرهابية. 

وكل هذه المواقف المشرفة هي أبرز أسباب المحاصرة التي تبذل الرياض وأبو ظبي قصارى جهودهما لفرضها على قطر، بدليل أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال خلال زيارته للعاصمة الفرنسية باريس: "لقد طفح الكيل، وعلى قطر وقف دعم الجماعات مثل حماس والإخوان". ويعني ذلك أن الهجمة الحالية لا تستهدف قطر فحسب، بل الخط السياسي الذي يدعم الربيع العربي ولا يعتبر جماعة الإخوان المسلمين وفصائل المقاومة الفلسطينية تنظيمات إرهابية.

نبرة تصريحات المسؤولين الأتراك ضد محاصرة قطر لم تكن شديدة منذ بداية الأزمة، إلا أن ذلك لا يعني أن تركيا يمكن أن تتخلى عن قطر. وهذا ما أكده أردوغان بكل وضوح حين قال في كلمته خلال مشاركته مساء الثلاثاء في مأدبة الإفطار مع سفراء الدول الأجنبية بالعاصمة أنقرة، إن بلاده ترى أن العقوبات المفروضة على دولة قطر من قبل بعض البلدان العربية ليست صائبة، مشددا على أن أنقرة ستواصل مساعيها لتعزيز علاقاتها مع الدوحة، ما يعني أن تركيا ستقف إلى جانب قطر قلبا وقالبا في هذه الأيام كما وقفت هي إلى جانب تركيا في أيامها الصعبة.

*كاتب تركي

0
التعليقات (0)