كتاب عربي 21

التريث في استخلاص نتائج زيارة ترامب

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600
قفز العديد من الكتاب والمحللين إلى استخلاص نتائج حول زيارة ترامب للمنطقة العربية، وكذلك فعلت العديد من وسائل الإعلام التي أخذت ترسم مخططات السياسة الأمريكية في عهد ترامب.

ومن المهم الملاحظة أن أغلب الذين قفزوا إلى استنتاجات يرون أن مصير العرب ليس بأيديهم حتى لو لم يقولوا ذلك بصراحة. وهذه آفة عربية مستحكمة من حيث أن الآخرين الذين يتربصون بالأمة العربية يعون أن الأمة مهزومة داخليا ولا ثقة لها بنفسها، ودائما تطوع نفسها لسياسات ومصالح الغير.

نحن على مستوى الحكام والمثقفين والمفكرين نكرس هذا الانطباع باستمرار وكأنه لا علاقة لنا بتقرير مصيرنا بأنفسنا، ولا قدرة لنا على التصدي لمشاكلنا وحلها بالطرق المناسبة لنا. دائما نبحث عن حلول من عند غيرنا الذي لا يمكن أن يوجه الأوضاع إلا بالطريقة التي تخدم مصالحه.

على أية حال، ليس من الحكمة القفز إلى استنتاجات حول السياسة الأمريكية في عهد ترامب الآن، وبناء على التصريحات التي أطلقها في الرياض أو في فلسطين المحتلة والسبب أن معرفة ترامب في القضايا العالمية محدودة جدا، وهو ما زال يتعلم من مستشاريه ومن المؤسسات الأمريكية الراسخة مثل وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع حول مختلف الأمور من أمريكا اللاتينية إلى أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي إلى القضية الفلسطينية.

ويحتاج على الأقل لسنة حتى يبلور رؤية أو استراتيجية أو خطة حول كل قضية تدس أمريكا أنفها فيها.

هو لا يعرف جيدا حتى الآن حول تعقيدات القضية الفلسطينية ومن السهل أن يقع في الكثير من الأخطاء. فمثلا هو لم يقدر تماما موقف الأمريكيين من حرب على إيران، وأطلق الكثير من التصريحات ضد إيران والتي يمكن أن تقود إلى تصعيد الأمور بطريقة تؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز، وإحداث أزمة نفط عالمية لا ترضى عنها دول تتحالف مع أمريكا. وهو أيضا وعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لكنه عدل عن ذلك لعدم علمه ببعض التفاصيل، وأدى موقفه إلى نقمة المتدينين اليهود عليه. أي أن عدم الوضوح ما زال العنوان الأوضح لسياسة ترامب.

هناك ثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية ترعاها وتسهر عليها المؤسسات الأمريكية مثل ضمان أمن الصهاينة، لكن رئيس الدولة لا يذوب بهذه الثوابت تماما ويفقد شخصيته، وغالبا تكون له لمساته وبصماته. ليس من المتوقع أن يغير ترامب الثوابت الأمريكية، لكنه سيكون موجودا في العديد من تفاصيل تطبيق هذه الثوابت.

ترامب كما غيره من الرؤساء الأمريكيين لا يشذ عن السياسة التقليدية الأمريكية والتي تقوم أساسا على القوة المجبولة بالمصالح والهيمنة. الموقف الأمريكي من فلسطين معروف وتشهد عليه المساعدات المتنوعة التي تقدمها أمريكا للكيان الصهيوني، والمواقف التي تتبناها أمريكا في المحافل الدولية ضد الفلسطينيين. وعلى الرغم من تمسك الرئيس الأمريكي بالخطوط العريضة للسياسة الأمريكية حيال مختلف القضايا العالمية إلا أنه لكل رئيس بصمات شخصية تتعلق بالتفاصيل وليس بالسياسة العامة. ولهذا من الممكن أن يشذ ترامب في بعض التفاصيل فيما يخص القضية الفلسطينية.

 فمثلا زار حائط البراق الذي أسمته أغلب وسائل الإعلام الفلسطينية بحائط المبكى، وهذا أمر تحرص أمريكا على تجنبه حتى لا تقطع خيطا من خيوط علاقاتها مع حكام العرب والفلسطينيين.

من ناحية أخرى، أظهر ترامب مواقفه تجاه القضية الفلسطينية كمرشح، وأوضح كإنسان لا يجلس على كرسي الرئاسة أنه مع الاستيطان، ومع الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. وهو يجنح نحو الحل الإقليمي كبديل لحل التفاوض بين الفلسطينيين والصهاينة. وهذه المواقف الشخصية لا بد وأن تنعكس على السياسة الرسمية للرئيس، وهذا ما سنراه في مستقبل الأيام.

أما الأهم في زيارة ترامب فيتلخص بأمرين وهما تحصيل الجزية من العرب، والهرب من الداخل الأمريكي الذي يرفع من درجة الخناق عليه. أتى ترامب إلى المنطقة لتحصيل الجزية من الأنظمة العربية، ووجد كيس النقود جاهزا وفيه حوالي 480 مليار دولار أمريكي. كان حكام  الخليج قد احتاطوا فجمعوا المال قبل أن يطلبه ترامب. وهذه أكبر قيمة جزية عرفها التاريخ، وعلى دول الخليج من الآن فصاعدا إنشاء صندوق جزية خاص لتسلم المستحقات السنوية للولايات المتحدة كثمن للمظلة الأمنية التي توفرها.

ومن ناحية الداخل الأمريكي، يواجه ترامب حملات إعلامية واسعة تؤثر على الرأي العام الأمريكي فيما يخص ما يسمى بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وتسريب معلومات سرية للرئيس الروسي.

يواجه ترامب المتعب الداخل الأمريكي، وهو منشغل بالدفاع عن نفسه، ولا يوجد لديه الوقت الكافي للانتباه إلى القضايا العالمية.

تماشى ترامب مع سيمفونية الإرهاب والإرهابيين وانضم إلى الجوقة العربية التي تعتبر المقاومة العربية في فلسطين ولبنان إرهابا. لقد أجاز لنفسه كما يجيز العديد من الحكام العرب تبرئة الاحتلال الصهيوني من تهم الإرهاب، وتوجيه التهمة ضد المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين الذين يدافعون عن حرية العرب وكرامتهم.

لكن هل تأييده لمقولات الإرهاب هذه ستترجم إلى وقائع ميدانية ضد حركات الجهاد الإسلامي وحماس وحزب الله؟ من الوارد جدا أن يستجمع قوى وسياسات ضد هذه الحركات، لكن تفاصيل الوقائع الميدانية تبقى في ذمة المستقبل وبعد أن يكون ترامب قد راكم ما يكفي من المعرفة لاتخاذ قرارات.
0
التعليقات (0)