قضايا وآراء

دلالات حادث المنيا

عمرو عادل
1300x600
1300x600
يبدو أننا في انتظار صيف ساخن؛ ليس بالتأكيد بسبب كوميديا 2018 خفيفة الظل التي تنطلق بين الحين والآخر، فبالتأكيد الحديث عن انتخابات في ظل الوضع الكارثي الحالي هو كوميديا من أكثر مشاهد السينما المصرية إضحاكا، سيكون صيفا ساخنا لأسباب أخرى تماما ليس لها علاقة بـ2018 ولكن لها علاقة بما حدث في المنيا ومن قبلها مدينة نصر وغيرها من الاختراقات الكبيرة التي حدثت خلال الشهور الماضية.

بداية لا نحتاج للتأكيد أن كل ما حدث في مصر هي جرائم ضد الشرع والقانون وربما أسوأها وأخطرها هي جريمة المنيا الأخيرة، إلا أننا نتحدث هنا عن دلالات ما يحدث في مصر سواء من تنظيمات لو كانت هي من فعلت هذه الجرائم؛ فهي أصبحت رقما صعبا في المعادلة المصرية؛ أو ما يحدث من جانب سلطة السطو المسلح التي تحمل عينا واحدة لا تنظر إلا غربا صوب الجارة ليبيا.

يتبنى البعض احتمالا آخر، وهو أن تكون سلطة الانقلاب هي صاحبة الوجهين؛ وجه يضرب في المنيا ليجد سببا لضرب ليبيا؛ ربما ولكن كما أرى ليس هناك داع لذلك؛ فهناك الكثير مما يمكن فعله لتبرير ضرب ليبيا أو غيرها. ولكن السؤال تبرير أمام من؟ هل أمام شعب مصر. أعتقد أن النظام لا يحتاج لتبرير أمام أحد إلا القوى الدولية وأرى أنها لا يمكن أن تنطلي عليها الألاعيب التي يمارسها السيسي على شعب مصر.

فهناك الكثير من العمليات التي تحدث في اليمن ودارفور وربما غيرها لا نعلم عنها شيئا إلا عندما يعلنه طرف آخر، كما لم يلجأ النظام إلى تبرير أي مما تم الإعلان عنه سابقا لذلك فلا حاجة للنظام الحاكم في مصر لتبرير أي من أعماله بل لا حاجة له للإعلان عنها، كما أن دعم السيسي لحفتر لا يخفى علي أحد والطائرات الإماراتية تضرب العمق الليبي من المطارات المصرية؛ فلم إذن يحتاج لمثل هذه الأمور كي يبرر لنفسه فعل شيء معتاد ليس بجديد؟

يبقى على أية حال أحد الاحتمالات النظرية، إلا أن الأقرب هو وجود قوى ما استطاعت أن تصبح رقما في مصر لا يمكن تجاوزه، استطاعت أن تقوم بأفعال متعددة متعاقبة في أهم مدن مصر خلال مدى زمني قليل؛ مما يشير إلى مدى ما وصلت إليه من قوة.

استطاع النظام الانقلابي دفع الكثير من المجتمع إلى منطقة التطرف الشديد وحول الكثير من المتمردين إلى أقصى اليمين، فقد تحركوا ليملؤوا تلك المساحة التي لا زالت تكبر لتحتوي الكثيرين، كما أن الظلم الذي يملأ مصر صنع حالة من اللامبالاة بل ربما المقاومة السلبية بالصمت الكامل؛ فأولى درجات حماية الأمن وأهمها هي أن المجتمع ذاته يحمي نفسه؛ أما إذا فقدت السلطة المجتمع فمن الصعوبة الشديدة أن تستطيع حتى حماية نفسها.

أدى كل ذلك إلى نماذج عمليات لها دلالات لا تخفى على أحد من التردي الكبير في منظومة الأمن المصري وعدم وجود أي أهمية لحياة المصريين "العاديين" واستمرار منظومة الأمن بهدفها الأسمى بالحفاظ على النظام ورموزه.

على الجانب الآخر؛ ما هذا الفعل الغريب بضرب ليبيا وفي منطقة ليس لها علاقة بالجاني المحتمل؟ لا أعتقد أن أطماع السيسي ونظامه في ليبيا خافية علينا، إلا أن إصراره على هذا الصدام العلني وفي لحظات بعينها يشير إلى أن الهدف الرئيسي لهذا الفعل لا زال خافيا علينا وأن هذه الأعمال لها سياق ما ربما يتضح لاحقا، فلا ينبغي لنا الاندفاع وراء المظاهر المباشرة.

ومن دلالات رد الفعل الغريب بضرب أهداف ليس لها علاقة بأي فاعل محتمل؛ أن قيمة المصري عند النظام لا تساوي شيئا فهي يستخدم حدثا ما ويلبس رغباته الشخصية – أو رغبات غيره – عباءة الانتقام وهي ليست كذلك. 

فهذا لا ينم فقط عن عدم اكتراث بالشعب المصري ولكنه ينم عن حالة من الاحتقار للشعب حيث يلهو بعقله كيف يشاء وسط مشاهد خروج الطائرات للانتقام وتصوير ضربات لا نعرف ضد من وهل هي حقيقية أم لا؟!

السيسي ونظامه لا يعنيه من قريب أو بعيد أن تحترق مصر وتدخل في صراعات كارثية، وغير مكترث بزيادة نفوذ جماعات متطرفة داخل حدود الوادي ولا يهتم إذا ما كان هناك حاضنة شعبية لهم أم لا، إن كل ما يعنيه هو تدمير كل ما تبقى من مظاهر مصر سواء الثقافية أو الدينية ويصبح شعب مصر خزانا بشريا ربما لاستخدامه في معاركه ولا مانع من بعض الفوضى بالوادي فربما تكون إيجابية.

لقد مارس الجيش المصري دورا قذرا خلال القرن العشرين بداية من مساعدة الانجليز في إخماد الثورات بليبيا والسودان، ومساعدتهم في احتلال فلسطين ودوره الذي يحتاج للتمحيص في اليمن، وقد استخدم الجيش الخزان البشري المصري في كل هذه العمليات كمرتزقة لحساب الآخر.

إن ما يفعله السيسي وميليشياته اليوم هو إعادة إنتاج ذلك التاريخ ولكن بتركيز شديد وربما يكون التوصيف الجامع للجيش المصري هو جيش كخنجر مسموم  في ظهر حركات التحرر العربية.

الأيام القادمة ستخبرنا؛ هل حقا تطورت حركات المقاومة المسلحة في مصر أم أن النظام هو من يدير كل شيء؟ هل السيسي مجرد مساند لحفتر أم أن الأمور أكثر تعقيدا من ذلك في ليبيا؟ هل الشعب المصري سينجرف إلى تطوير الحرب الأهلية التي وضعنا فيها السيسي ونظامه منذ انقلاب 2013 أم أن الأمور ستأخذ شكلا مغايرا.

في انتظار إجابات صيف مصر الساخن.
0
التعليقات (0)