كتاب عربي 21

الهجمة على قطر.. ماذا تعني؟ وما العمل؟

ساري عرابي
1300x600
1300x600
في وقت واحد تُدار فيه حملة إعلامية مركزية تستهدف دولة قطر، تتولاها منصات إعلامية كبرى، إماراتية وسعودية، وأما الدور المصري في الحملة، فهو تابع، ويصطاد في الماء العكر.

بكلمة أخرى جاءت الحملة مكثفة وواسعة وشاملة وقاسية، ومصحوبة بإجراءات رسمية حجبت عددًا من المواقع الإلكترونية، قطرية وغير قطرية، أبرزها مجموعة مواقع شبكة الجزيرة.

بدا الأمر مفاجئًا، ولم يكن لأحد أن يصدّق أن هذه الحملة الشاملة والمدروسة والمستمرة، كانت وليدة التصريحات المفبركة التي نُسبت لأمير قطر في وكالة الأنباء القطرية بعد اختراقها. وحدهم الأتباع والأذيال، وأصحاب المهمات الأمنية، الذين يمكنهم أن يتحدثوا بكل ثقة زائفة عن "تغريد قطر خارج السرب الخليجي" في العلاقة بإيران، لكن من نظرة واحدة يمكن ملاحظة افتقار السرب الخليجي للانسجام المزعوم في موضوع العلاقة مع إيران تحديدًا.

عُمان التي كانت دائمًا في موقع الحياد في العلاقة مع إيران، مع مظاهر انحياز تبدو لصالح الأخيرة أحيانًا، لم تتعرض لمثل الحملة التي تُستهدف بها قطر اليوم، ولا الكويت التي ربطتها علاقات محسوبة دائمًا بإيران، لكن دون الحديث عن تلك الدول، يكفي القول إن دولة الإمارات وحدها تستحوذ على 80% من التبادل التجاري بين إيران ودول الخليج!

الأمر إذن أبعد مما يقال عن التحسن الجاري في العلاقات القطرية الإيرانية، وهو بالتأكيد ليس بعيدًا عن الموقف القطري المناوئ للسعي الإماراتي للسيطرة على جنوب اليمن وفصله عن شماله، ولكن هذه المسألة تحديدا ليست كل شيء، لاسيما وأن السعودية لا تُظهر –بعد- موافقة للخطط الإماراتية في جنوب اليمن.

الأمر، هو استثمار للحظة ترامب، وهجمته الشرق أوسطية، لتصفية الحساب مع قطر أولاً، وفي سياق أوسع ثانيًا، وكلمة السر في ذلك كله هي الإمارات، لكن من خلفه، الرؤية اليمينية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، فحالة السيولة العربية، وتصعيد السيسي لحكم مصر، ووصول ترامب إلى البيت الأبيض، وامتلاك الصهاينة لمراكز نفوذ عميقة في بعض البلاد العربية، والخليجية منها، كلها اعتبارات، تدفع نحو العجلة، فالفرصة التي لا تفوّت؛ قد تنقلب إلى نقيضها في مثل هذه الظروف السائلة.

جاءت الهجمة على قطر، عقب قمة ترامب بالرياض، وبعد حملة تحريض على قطر في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم زامن الهجمة مشروع قانون في الكونغرس لمعاقبة الدول الداعمة للمقاومة الفلسطينية، وركّز القانون على حماس من بين فصائل المقاومة الفلسطينية، ودولة قطر التي تستضيف جزءًا مهمًّا من قيادتها، وأخيرًا تلغي الرياض صفقة عسكرية كبيرة مع تركيا، بحسب أنباء لم تؤكدها الحكومة التركية بعد.

في الأثناء دائمًا كان هناك حصار قطاع غزّة الذي يزداد شراسة ويخلّف أوضاعًا أكثر بؤسًا، وغلّف ذلك كلّه الحديث المستمر عن "صفقة القرن"، و"التحالف الإستراتيجي الشرق أوسطي"، والذي سبقته اتصالات معلنة، ولكنّها مقنعة، بين دول خليجية، منها السعودية، والكيان الصهيوني، كما في تحركات وزيارات أنور عشقي.

في ذلك مجموعة من العناصر، منها تطابق الرؤية اليمينية الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية مع رؤية بعض النخب داخل المؤسسة الأمريكية التي تستغل ترامب وتبتزه، كما تستغل مخاوف السعودية من السياسات الإيرانية التي أحاطت بالجزيرة العربية، وتستثمر في رجلهم الذي أوصلوه لحكم مصر.

بالإضافة للسياسات الإماراتية الثابتة والمعروفة، تجاه الإسلاميين والقضية الفلسطينية، يأتي الطموح الإماراتي لتعزيز نفوذ الإمارات إقليميًّا، وهو ما يظهر في أدوارها في ليبيا واليمن، ومصر، ومنها إلى فلسطين وحصار غزة، وغير ذلك من جغرافيات العرب الممزقة.

هنا تأتي عقدة قطر، لا من كونها دولة منافسة، وإن بأدوات مختلفة، فحسب، إذ يقضي منطق التنافس الإقليمي بحصول الصدام الحتمي، ولكن وبالإضافة إلى ذلك، يتمظهر التنافس في السياسات والرؤى المتعارضة تمامًا.

سعوديًّا، تنقلب المملكة على الصعود الذي طبع علاقاتها بقطر بعد مجيء الملك سلمان، كما تتخلّى عما كان يمكن أن يكون نوعًا من التحالف المحدود مع تركيا، وهي بذلك تلتقي مع الموقف الإماراتي المزمن من قطر وتركيا، ولا تكتفي السعودية بتبريد العلاقات، ولكنها الآن، وعبر إعلامها، وببعض الإجراءات التي تستهدف الإعلام القطري، تنضم إلى الإمارات في حملتها على قطر. كلمة السرّ في ذلك تكمن في ترتيبات الحكم في البيت السعودي.

هذه العوامل المتضافرة كلها، تحتاج إلى تقليم أجنحة قطر، وترويعها بحملة إعلامية تُوظّف فيها نخب ومؤسسات داخل الولايات المتحدة الأميركية.

تفاءلت أوساط عربية واسعة بعد مجيء الملك سلمان، الذي اجترح سياسات مختلفة عن سلفه، وأخذ يقود سياسات أكثر جرأة ومبادرة، ترتب الأولويات منطقيًّا، وتبتعد عن سياسات الإمارات المريبة، وبذلك تراجع الموقف المعادي للإسلاميين إلى الخلف، وتحسنت العلاقات بقطر وتركيا، إلا أن ذلك كله كان أكثر هشاشة من أن يحمل تلك الآمال الساذجة.

التحول السريع الذي يتصدر المشهد الراهن، لا يعني إلا شيئًا واحدًا، وهو عمق النفوذ الأميركي في بلادنا العربية، وارتهان بلادنا بالكامل للقوة الأمريكية، وعلى الصخرة الأمريكية تتحطم آمالنا وتُبدد ثرواتنا وتُضَيَّع قضيتنا المركزية، فلسطين، والحال هذه، فإنه لا خلاص لنا، ولا نقطة ارتكاز نبني عليها أي مشروع عربي، إلا باستكمال تحررنا، من الاستعمار والاستبداد.
1
التعليقات (1)
الأحد، 04-06-2017 11:54 ص
تساؤلات برسم مزيد من التدقيق و التحليل: هل تجرؤ قطر او غيرها على دعم حماس و الفلسطينيين و لو مليون $ دون علم و موافقة السي آي إيه؟،هنالك دور يناط بالدول عموما، إما من منطلق مفهوم (الاحتواء) او (إعادة الإنتاج)..فهل طرأ تغيير على دور دولة قطر في الشأن الفلسطيني خاصة و القضية السورية إضافة لامتدادات المعارضات في العالم العربي و الإسلامي بدرجة تالية؟،هل النظام القطري يعيد حساباته و رسم دوره من منطلق الدولة و المحافظة على وجوده و مصالحه مما جعله يصطدم بلاعبين آخرين في الاقليم؟،هل نظام الحكم في الامارات و الجزيرة العربية يعانون في لحظة تاريخية حالية من (وهم القوة) ام (وهن القوة) نسبيا؟،هل ما نشهده هو مظاهر ل(تسونامي) قادم ؟ لا سمح الله..و الله اعلم