كتاب عربي 21

ليبيا.. الحرب شر والوفاق خير.. وأي وفاق!!

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
عادت المواجهات الدامية إلى العاصمة الليبية، بعد فسحة من الهدوء دامت شهرين ونيف، وجاءت العودة إلى العنف بعد هجوم نفذه أنصار المؤتمر الوطني وحكومة الإنقاذ لاستعادة "قصور الضيافة" التي تم طرد القوة التي كانت تحرسه بعد سيطرة مجموعة مؤيدة لخليفة الغويل، رئيس حكومة الإنقاذ، وتم طردهم من قبل قوات تابعة للمجلس الرئاسي في شهر مارس الماضي.

الصراع كما هو معلوم لجُل سكان العاصمة وحتى ضواحيها واقع بين كتائب كانت شريكة في عملية فجر ليبيا، وتعاضدت لطرد القوات المحسوبة على مدينة الزنتان، إحدى المدن الريادية في ثورة 17 فبراير، وذلك في أغسطس 2014. فبعد انقسام الفبرايريين، ها هي مكونات فجر ليبيا تنقسم وتتقاتل بعنف في صراع على النفوذ مخلوط بتوجهات سياسية، فالفريقان المتقاتلان اليوم في العاصمة ينقسمان في تأييدهما لطرفين سياسيين هما المؤيدون للاتفاق السياسي الذي تم توقيعه في الصخيرات والمعارضون له.

لكني لا أختزل الاشتباكات التي اندلعت صباح اليوم في التقاتل لأجل السيطرة على قصور الضيافة كونها تمثل رمزية في الحكم والسلطة، فالتعبئة تتعلق بتطورات على الساحة السياسية والعسكرية خلال الأسابيع القليلة الماضية، ثم تفسير تلك التطورات بطريقة تثير القلق الشديد لدى أنصار المؤتمر الوطني وحكومة الإنقاذ.

لقد بدا لهؤلاء أن الوفاق، رغم أنه وقع بين أنصار فبراير بعد الانقسام السياسي وتشكل برلمانيين وحكومتين، إنما يهدف بالأساس لتقويض ثورة فبراير ومؤشر ذلك اعتراف الرئاسي، ولو بشكل غير مباشر، بقوانين وقرارات البرلمان ومنها إلغاء قانون العزل السياسي وإصدار عفو عام استفاد منه بقايا النظام السابق بشكل كبير، وتعيين القائد العام للجيش، وإقرار الاعتماد على الأجهزة الأمنية والكتائب العسكرية التي عملت تحت حكم القذافي وقاومت الثورة بقوة.

أيضا قرأ أنصار المؤتمر وحكومة الإنقاذ مقاربة رئيس المجلس الرئاسي لحل الأزمة الليبية على أنها تمكين للطرف الثاني ممثلا في حفتر وأنصاره وإضعاف لصفهم بل والتآمر لضربهم كما هو مقروء ومسموع في قنواتهم وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا أقول إنه ربما يكون هناك مبالغة في تفسير توجهات المجلس الرئاسي، غير أني أؤكد أن المجلس الرئاسي يدير الملف السياسي والأمني بطريقة مرتبكة يلفها غموض لدرجة تثير الاضطراب وتدفع إلى التأزيم. 

فالمراقب يتبين له بيسر حرص الرئاسي ورئيسه على التنسيق والتعاون مع الجيش التابع للبرلمان، دون أن يقابل ذلك تقارب مماثل مع القوات الموازنة في المنطقة الغربية، الأمر الذي يسهل العزف عليه لإثارة القلاقل ومضاعفة حالة التربص في المنطقة الغربية بشكل عام، والعاصمة طرابلس بشكل أكثر تحديدا.

هذا الاضطراب يمكن تتبعه من خلال بيانات وتصريحات قيادات التوافق والتي منها تصريح لوزير خارجية الوفاق الذي استدعى فوران دفع الرئاسي إلى الاعتذار عنه دون أن يحدد رؤيته فيما يتعلق باحتواء الأزمة الأمنية بشكل يمنع الصدام. أيضا البيانات التي تدين في كل مرة يقع فيها عنف على أيدي المجموعات المسلحة المحسوبة على المؤتمر الوطني دون إدانة مماثلة للعنف الذي يتورط فيه الجيش التابع للبرلمان.

والحقيقة أن الخلل لا يقتصر على المقاربة المنقوصة التي يعتمدها المجلس الرئاسي في إدارة الملف الأمني، بل تعود إلى اتفاق الصخيرات في حد ذاته، والذي ظهر هشاشته بعد أن تخلف عن دعمه تكتلين مهمين في الغرب والشرق، وضاعف من هشاشته عجز المجلس الرئاسي في احتواء الأزمة الاقتصادية والأزمة الأمنية أو التخفيف منهما.

أقول إن غياب التوافق بين الغرب والشرق على أسس متينة عادلة شكل -ولا يزال- أحد أهم مسوغات التوتير الأمني والصدام العسكري هنا وهناك، وبالتالي فإن المقاربة المثلى لاحتواء الوضع المتردي ينبغي أن تنطلق من الاتفاق والتوافق العادل والمتوازن، ومن الضروري أن يتم تجنب الإقصاء لطرف سياسي وعسكري فاعل على الأرض، فالتجارب المشابهة أثبتت أن المعالجة المتسرعة القائمة على إزاحة الآخر بالقوة تحقق درجة من الاستقرار لزمن محدود، وما يلبث أن يعود الاضطراب، وخير دليل على ذلك الوضع في بنغازي بعد ثلاث سنوات من الاحتراب، وأنظر إلى بيان قادة المحاور في بنغازي، الذي صدر يوم الخميس الماضي، والذي يؤْذِن بصراع جديد في المدينة طالما حذرنا من وقوعه في مناسبات عديدة سابقة.  
0
التعليقات (0)