مقالات مختارة

قضية أمن وطني

عاصم منصور
1300x600
1300x600
لم يكد يتراجع الخبر المتعلق باختراق فيروس (WannaCry)  الذي ينتمي إلى ما يسمى بفيروسات الفدية لأجهزة الكمبيوتر في أكثر من مئة وخمسين دولة عن موقعه المتقدم في صدارة الأخبار حول العالم، حتى اشتعلت قضية ما قيل إنها اختراق لأجهزة وكالة الأنباء القطرية، ونشر تصريحات مفبركة على موقع الوكالة، مما تسبب بأزمة سياسية إقليمية لم تضع أوزارها حتى الساعة.

ورغم أن هذا الفيروس الرقمي هو الأوسع انتشارا والأكثر تدميرا في التاريخ، إلا أن فاعليته وقدرته التدميرية، تعتبر أقل بكثير مما يمكن أن تحدثه الهجمات التي يمكن أن تشنها بعض الدول والأجهزة المتخصصة، أو حتى مجموعات محترفة من المخترقين الأكثر نشاطا. 

تثير مثل هذه الأخبار أسئلة مهمة حول سلامة البنى التحتية والخدمات في ظل التحول الرقمي المتسارع، وانتشار الأجهزة والمعدات الذكية. فهل يمكن –على سبيل المثال-  أن تقوم جهة ما ومن على بعد آلاف الأميال بمهاجمة شبكات الكهرباء والماء والاتصالات والنقل في دولة ما وتعطيلها، وهل يمكن أن يتم اختطاف أجهزة الاتصال والإذاعات والتلفاز والسيطرة عليها؟ وهل بمقدور جهة مهاجمة وتعطيل الخدمات الصحية والحكومية والبنكية؟ إن الاجابة المدعومة بالوقائع والأحداث الأخيرة عن هذه الأسئلة، هي نعم كبيرة، ما يجعل مسألة الأمن الرقمي مسألة أمن وطني فضلا عن كونه أمنا شخصيا ومؤسساتيا.

 ولأن اللجوء إلى الهجمات الإلكترونية عن بعد لا يكلف الكثير قياسا بما تكلفه الأساليب التخريبية الأخرى، فإنه قد يكون وسيلة مفضلة خلال العقود القادمة لإيقاع الأذى ومعاقبة وابتزاز مجتمعات ودول وشخصيات، وليس بعيدا عنا المحاولات الخطرة للتأثير على الانتخابات الفرنسية ومن قبلها الأمريكية باستخدام الهجمات الرقمية من وراء البحار.

لكن، ما الذي تملكه الدول والمؤسسات لحماية خدماتها ومصالحها والمحافظة على سرية وخصوصية معلوماتها في مواجهة هذا المستوى من الخطر؟ وهو مستوى قد لا يكون من الممكن مواجهة بعض أشكاله بالأدوات والمعرفة المتوفرة لدى الكثير من الدول والمجتمعات، فالأمر يتطلب تقييما عميقا لمدى المخاطر وسبل التعامل معها وإجراء التدريبات والتجارب والمناورات لمواجهة الاحتمالات المختلفة، تماما كما تفعل الدول في المجالات الأمنية الأخرى.

وربما تلجأ بعض الدول إلى طلب الحماية الرقمية من دول أخرى وربما شركات عالمية، ما يفتح الباب للحديث عن الهيمنة الرقمية والإمبريالية الرقمية. ومن الطريف في مسألة الهجوم على مواقع وكالة الأنباء القطرية، ما قيل من أن مواقع الوكالة في معظمها تعمل في البيئة السحابية للشركة العالمية المعروفة مايكروسوفت، باستثناء أجزاء محدودة وهي التي تمكّن منها المخترقون ووضعوا من خلالها المادة التي أثارت البلبلة.

الاختراقات الأخيرة حول العالم نبهت الرأي العام لموضوع الأمن المعلوماتي وجمعت الخبراء والمعلقين والمهتمين على رأي موحد، بأن العالم بشكل عام غير مستعد الآن بشكل كاف لمواجهة بعض مخاطر الهجمات الرقمية، ويبدو أن هناك جانبا من هذا التحدي ينبغي أن تواجهه كل دولة وعلى نحو استراتيجي ومن خلال رؤية وطنية شاملة.  

الغد الأردنية
0
التعليقات (0)