كتاب عربي 21

إخراج المتطرفين... ولكن إلى أين؟

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
شيء صعب جدا أن يقوم شخص مسلم بعمل تقييم موضوعي لأي شيء يقوله دونالد ترامب، خاصة عندما يتحدث هذا الأخير عن الإسلام.

ولكن إن كنا صادقين، فإن قدرا كبيرا مما قاله في الرياض عن الشرق الأوسط والتطرف والإرهاب، يعتبر دقيقا جدا. أما أبرز أوجه عدم الدقة التي نتوقعها من أي رئيس أمريكي فهي الإغفال الصارخ للفظائع الأمريكية في المنطقة، وتصوير الولايات المتحدة وحلفائها العرب على أنهم "عملاء مؤكدون" لكل ما هو خير وإنساني.. طبعا دور هذا النوع من السرد في نشر التطرف، نراه واضحا جليا.

إن صفقة الأسلحة التي أعلن عنها ترامب بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة؛ يترجمها أغلبنا على أنها وعد بعنف أكبر في اليمن، على سبيل المثال، لا على أنها زيادة في الأمن الإقليمي، كما أن إخبارنا بأن قصف الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية للأطفال لهو شيء جيد، إلا أنه يصبح سيئا عندما يفعله الآخرون، يضعنا بالفعل في نقاش يفتقر إلى أي عقلانية، ويفتح للتطرف طريقا للمزيد من القتل المسعور.

ورغم أن معظم ما قاله عن التطرف كان دقيقا جدا، إلا أن العقلاء أحسوا بالانفصال عن تعليقاته حينما بدأ النص في اعتماد الأحرف الكبيرة، فبعد أن قال ترامب إن الولايات المتحدة لا تريد "أن تخبر الآخرين كيف يعيشون، وماذا يفعلون، ومن يكونون..."، رأيناه وهو يفعل ذلك فعلا عندما أعطى أوامره للعالم الإسلامي في كيفية التعامل مع المتطرفين، فأمرنا مؤلف مصطلح "حظر المسلمين"، والمدافع عن حائط الحدود، قائلا بالأحرف الكبيرة:

"أخرجوهم من أماكن عبادتكم. أخرجوهم من مجتمعاتكم. أخرجوهم من أراضيكم المقدسة. أخرجوهم من هذه الأرض".

وطبعا ما يقوله هو العكس تماما للقضاء على التطرف. فـ"إخراجهم" من المؤسسات والمجتمعات، التي يمكنهم العثور فيها على المعرفة والفهم اللازمين لمعالجة سوء فهمهم؛ ليس هو أفضل شيء في الحياة! فاستبعاد ونبذ المتطرفين بدلا من إشراكهم وتوعيتهم، هو بالضبط عين المطلوب لتحويل المتطرف إلى إرهابي؛ لأننا متى قمنا "بإخراجهم" فهم لن يتبخروا في الهواء، ولكنهم سيتكاملون مع من يفكرون مثلهم، من المهمشين والراديكاليين، وهؤلاء مشكلتهم ليست فقط أنهم لا يتشاركون أية مصلحة حقيقية أو وجدانية مع المجتمع، ولكن مشكلتهم هي أنهم سيعززون بعضهم البعض بالمفاهيم الخاطئة وسوء فهم النصوص الدينية، فيقتاتون على الكراهية والضغائن داخل بعضهم البعض، في شبه ثقافة متطرفة من الغضب وضيق الأفق وانعدام الفهم.

كما كتبت من قبل، ما يجب علينا القيام به وما نحن ملزمون به، هو دعوتهم للنقاش والمناظرة وتبادل الأفكار والآراء. أما حظرهم وتوقيفهم، وما إلى ذلك، فهو في الواقع أضمن شيء سينقلهم لا محالة من مسار التطرف إلى مسار العنف. وأنا لا أضع هنا أية استثناءات فيما يتعلق بالتعامل بحزم مع مرتكبي الإرهاب، ولكن بما أننا وصلنا إلى هذه النقطة فيجب أن نميز جيدا بين "المتطرفين" و"الإرهابيين". نحن بحاجة إلى التعامل مع التطرف بقدر أكبر من الحذر، فالشخص قد تكون لديه آراء جذرية عن نقاط معينة لا عن الآخرين، والطريقة الوحيدة لتصحيح سوء فهمه تكون عبر إشراكه، لا إخراجه. هذه هي الطريقة التي تعاملت بها الأمة دائما مع التطرف، وهذا هو السبب في أن المتطرفين كانوا دائما مشكلة بسيطة نسبيا.

إن أخطاء التفسير الراديكالي للشريعة الإسلامية غالبا ما يتم فضحها وتفنيدها من قبل أي مسلم مطلع في دقائق معدودة، وقد يقوم أي عالم مطلع بهذا في عبارة أو عبارتين، ولكن هذا طبعا إذا كان أصحاب الآراء المتطرفة حاضرين أصلا للاستماع لما يقال.
التعليقات (0)