قضايا وآراء

المشهد الانتخابي في إيران قبيل الانتخابات الرئاسية

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600
بدأت الحملات الانتخابية الرئاسية في إيران تقترب من فترة الصمت الانتخابي، والمشهد أصبح أكثر سخونة من ذي قبل خاصة بعد المناظرات التلفزيونية، ولاسيما الثالثة والأخيرة منها، كما أن انسحاب المرشح الأصولي محمد باقر قاليباف لصالح المرشح الأصولي البارز ابراهيم رئيسي، زاد من تعقيدات المشهد ودلالاته الاستشرافية. 

هذا الانسحاب جاء بعد تأكيدات كررها قاليباف في المناظرات ومناسبات عدة بالبقاء حتى النهاية، كما أنه ومنذ المناظرة الأولى هاجم المرشح الإصلاحي الظل اسحاق جهانغيري، لقراره المسبق بالانسحاب من المشهد قبيل يوم الانتخابات لصالح الرئيس المرشح حسن روحاني. 

قرار قاليباف هذا يذكرنا بالمثل الشعبي الفارسي "يحدق في عينيك ويكذب"! الذي طالما استخدمه في المناظرات ضد خصميه الإصلاحيين، ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها، فأوقع قاليباف نفسه في حفرة حفرها بنفسه لغيره، حيث اتهم جهانغيري بأنه مجرد أداة وسلّـم يصعد عليه روحاني. واليوم وضع نفسه في مكان ذلك السلّـم ليتسلق عليه السيد رئيسي، في المقابل هل سيكون هذا السلّـم الأداة المثالية للصعود إلى السماء والوصول إلى العرش!! للإجابة على ذلك لا بد من الوقوف أولاً أمام أسباب هذا الانسحاب. 

ثمة أسباب وارء هذا القرار، منها ما روي متواترا أن قاليباف تعرض خلال الأيام الماضية لضغوط هائلة من قادة المعسكر الأصولي، أجبرته على الانسحاب، إضافة إلى عوامل أخرى مثل ارتدادات تسريبات روحاني ضده في المناظرة الثالثة. 

ومن المفارقة إقدامه على ذلك بالرغم من تقدمه على المرشح رئيسي في كثير من استطلاعات الرأي، وهذا ما يضع علامات استفهام كثيرة حول مدلولات هذا الانسحاب. كان من المنطقي أن ينسحب رئيسي لصالح قاليباف، لأنه بالرغم من وقوف الأصوليين إلى جانبه، لم يحقق ما حققه الأخير من شعبية ترجمت في تلك الاستطلاعات. 

وفي الإجابة على هذه التساؤلات، يمكن القول إن قاليباف، أولا، لم يكن المرشح الرئيس للمعسكر الأصولي منذ اليوم الأول، وإنما كان مرشحا احتياطياً يستقطب أصواتاً بأدبياته الهجومية الخاصة، لا يستطيع أن يجذبها رئيسي، بالتالي الضوء الأخضر الذي أعطاه الأصوليون كان لتحقيق هذا الغرض سواء كان بعلمه أو لا. 

ثانيا، يعزز هذا ما ذهب إليه بعض المراقبين والمحللين، أن حضور رئيسي في المشهد الانتخابي يتجاوز الانتخابات الرئاسية، وأنه جاء لما بعدها. 

أما عن ارتدادات هذا الانسحاب على المشهد الانتخابي قبيل يوم الانتخابات في الجمعة القادمة (19 أيار)، ومدى تحقيق الغايات التي يصبو إليها الأصوليون منه، لا بد من معرفة طبيعة الشريحة التصويتية التي استطاع قاليباف استقطابها خلال حملته الانتخابية. 

غالبية هذه الشريحة ليست من الطيف الأصولي المنتظم الذي ستذهب أصواته لرئيسي، وإنما تتكون بالأساس من ناخبين في المناطق النائية أولا، وناخبين غير راضين في المدن الصغيرة عن أداء روحاني الاقتصادي ثانيا، استقطبهم قاليباف بوعوده الاقتصادية المغرية.

الواضح أن انسحاب قاليباف لصالح رئيسي لا يعني بالضرورة، أن جميع تلك الأصوات مضمونة له، أولا لأن تلك الأصوات لم تكن منتظمة تحت عنوان سياسي محدد، لكي تتغير وجهتها تلقائيا بفعل الانسحاب، وثانيا، أن الانسحاب بحد ذاته نكث بوعد قطعه قاليباف على نفسه، بأنه سيبقى ولن ينسحب، وهذا ما يقلل من مكانته بين من كسب ودهم الانتخابي خلال الفترة الماضية. 

وعلى عكس ذلك تماما كانت ستكون النتيجة لصالح قاليباف في حال انسحاب المرشح رئيسي، حيث كانت ستتجه معظم أصواته للأخير، لسبب بسيط وهو أن تلك الأصوات منظمة وموجهة، تتغير وجهتها بقرار من مرجعياتها التنظيمية. 

عموما، يتوقع أن يذهب قسط كبير من أصوات قاليباف المنسحب إلى حليفه الأصولي إبراهيم رئيسي، وليس جميعها، كما يتوقع أن يكسب الرئيس روحاني جزء لا بأس منه من هذه الأصوات، وقد يكون المستفيد الأبرز.
 
اليوم بفعل الائتلافات الانتخابية بين المرشحين، سواء الأصوليين أو الإصلاحيين، تقتصر المنافسة بين روحاني ورئيسي، وهذا من شأنه أن يسخن المشهد الانتخابي أكثر من قبل، ويعيد إلى الأذهان ما حدث في انتخابات عام 2009. 

هنا كلما يحتدم السباق، كلما ترتفع نسبة المشاركة في الانتخابات، خاصة مع تزامن الانتخاباب الرئاسية مع انتخابات المجالس البلدية والقروية، التي تشهد حضوراً وإقبالاً واسعاً بسبب طبيعتها الشعبية. وعندما نتحدث عن ارتفاع النسبة، فهذا يعني أن الأصوات الرمادية تدخل البازار الانتخابي، وأنها لو كانت بكثافة على الأغلب ستفجر مفاجآت انتخابية غير متوقعة. تشكل هذه الاصوات حوالي 40 بالمائة من مجموع من يحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران، البالغ عددهم 56 مليونا.

أما عن وجهة هذه المفاجئات وأنها لصالح من ستكون؟ المرشح الإصلاحي أم المرشح الأصولي؟ لا بد أن نعرف عن توجهات هذه الأصوات الرمادية أولا. عموما نحن نواجه نوعين من هذه الأصوات، الأول، من اتخذ موقفا سلبيا شبه دائم من العملية الانتخابية برمتها بدوافع سياسية منذ سنوات عديدة، ازداد عددهم بمرور الزمن، وهم الأكثر نسبة، والثاني من لهم مواقف غير ثابتة من العملية، يتأثرون بالعامل الاقتصادي. 

أظهرت التجارب الانتخابية السابقة أن سلاحين لهما الدور المؤثر في استقطاب أصحاب تلك الأصوات إلى صناديق الاقتراع، هما، التخويف من المستقبل أو البديل والمغريات الاقتصادية. 

غالبا ما ينجح الإصلاحيون في استمالة هذه الأصوات، وفي هذه الدورة بالذات سيكون لسلاح التخويف مفعول مؤثر، وعلى الأغلب إن قرر الرماديون المشاركة وهذا هو المرجح، ستذهب أصواتهم للمرشح حسن روحاني، لكن هذه الدورة ولأن الأصلاحيين كانوا يحكمون خلال السنوات الأربع الماضية، فإنه من المتوقع أن جزء  من النوع الثاني من الأصوات الرمادية يذهب للأصوليين ومرشحهم وبدوافع اقتصادية. 

ما يدفع غالبية أصحاب هذه الأصوات للتصويت لصالح الإصلاحيين هو الخوف من البديل واحتمال العودة إلى الماضي القريب، وهذا الخوف سيزداد بعد أن اقتصر السباق بين شخصين، كل منهما يمثلان توجها سياسيا معروفا في السياسات الداخلية والخارجية لدى عموم الشعب. هنا يتضح المشهد للناخبين الإيرانيين أكثر من قبل بكثير، والتصورات الذهنية والقناعات الفكرية عن التوجهين والخوف من المستقبل والبديل ستدغدغ عقول هؤلاء الرماديين بشكل كبير. 

وفي هذا السياق، أشهرت الحملة الانتخابية للمرشح حسن روحاني منذ يومها الأول سلاح التخويف، مروجة أن الخيار هو بين "العمران والدمار"، و"الحرب والسلم"، و"الانغلاق والانفتاح"، و"الحرية والقمع"، و"المقاطعة الاقتصادية والتقدم الاقتصادي"، و"العودة للوراء والذهاب للأمام"، و.... الخ. 

في ظل هذا المشهد التخويفي، من المرجح أن يشارك عدد كبير من أصحاب الأصوات الرمادية في الانتخابات، ويتوقع أن يحسم ذلك النتيجة لصالح روحاني بفارق بسيط، ورغم توقعات كثير من المراقبين، يستبعد أن تتجه الانتخابات نحو جولة ثانية بعد انسحاب قاليباف وجهانغيري واقتصار التنافس بين مرشحين. 

وأخيرا، إن اتجهت الانتخابات نحو جولة ثانية، وهذا احتمال ضعيف، سترتفع حظوظ المرشح حسن روحاني في الفوز أكثر من الجولة الأولى، حيث على الأغلب ستكون جولة أكثر سخونة من الأولى، وستشارك بقية الأصوات الرمادية.
1
التعليقات (1)
عبدالله العثامنه
الجمعة، 19-05-2017 06:27 ص
ايران: أفلح الملالي في ظلمها؛ إنه لا يفلح الظالمون.