مقابلات

جودت سعيد: السلام طريق الأنبياء.. والخيار المسلح مرفوض

سعيد: الديمقراطية لا تدخل أي بلد ما لم يقر الجميع بالاحتكام إلى صندوق الانتخابات- تويتر
سعيد: الديمقراطية لا تدخل أي بلد ما لم يقر الجميع بالاحتكام إلى صندوق الانتخابات- تويتر
يلقب المفكر السوري جودت سعيد بـ"غاندي العرب" بسبب قناعته باللاعنف طريقا وحيدا للتغيير، ولم تنل سنوات عمره الستة والثمانين من قوة إيمانه بأفكاره.

لا يزال يبشر بالسلام في زمن الحرب، ويؤكد ثقته بانتصار الكلمة على السيف، ولم يمل من تكرار أفكاره منذ أن سطرها في كتابه "مذهب ابن آدم الأول" مطلع ستينيات القرن الماضي.

لم يكن جودت سعيد بعيدا عن المأساة التي أصابت شعبه السوري، فقد قتل شقيقه محمد، وهجر هو مع عائلته إلى تركيا، لكن ثقته لم تضعف بخيار العمل السلمي كما يقول، وهو يفضل الفشل في طريق اللاعنف؛ على الانتصار بالسلاح.

"عربي21" حاورت جودت سعيد، وسألته عن سر إيمانه بطريقة العمل السلمي، وكيف يبدو هذا الخيار في ضوء فشل الثورات العربية خاصةً في بلاده سوريا؟

فإلى نص الحوار..

هل لا يزال جودت سعيد يتبنى الأفكار التي كتبها قبل حوالي 60 عاما عن مبدأ ابن آدم الأول بعدم مقابلة العنف بالعنف؟

لما رجعت من مصر إلى سوريا نهاية الخمسينيات؛ خشيت أن يتكرر فيها ما حصل في مصر، لكنه تكرر بشكل أسوأ، وها هو يتكرر مرة أخرى.

أنا لا أزال على مذهب ابن آدم، لكن لم أنجح؛ لأننا لم نتمكن من كشف السنن كاملة، سنن التغيير، وسنن النفس والمجتمع، وربما أكون وضعت أساسا لهذا الموضوع.

إنني لا أستطيع أن أوضح هذه الأفكار بعبارة جيدة، ولكنني أظن أنني ساهمت في دفعها إلى الأمام، وإلى شيء من الوضوح.

لكن؛ ألم تثبت الأحداث في سوريا أن المواجهة السلمية لن يكتب لها النجاح، في ظل واقع داخلي وإقليمي ودولي معقد وظالم؟

يمكن أن نقول إن التاريخ وعواقب الأحداث تثبت أن المواجهة بالقوة والسلاح من أجل إحداث تغيير في المجتمع، ومن أجل القضاء على الطاغوت والاستبداد؛ لا يمكن أن تصنع مجتمعا راشدا، وأن الحكم الذي يؤسس بالعنف والقوة والسلاح والانقلاب هو مجتمع يلتبس بالظلم، ولا يشعر بالأمن؛ لأنه يكون قد سن قانونا ليس فيه كلمة سواء، وكيف تكون فيه كلمة السواء وقد خرق العهد وخرق المساواة وسن الظلم.

ولهذا؛ فإن الحكم أو السلطة أو المجتمع، الذي لا يلتزم بأسلوب الأنبياء في الدعوة للحق، والصبر على الأذى من أجل صناعة المجتمع الراشد؛ يكون مبنيا على قانون القوة، والمساواة فيه أنه يجعل للآخر الحق في أن يأخذ بالقوة كما أخذ الأول، وبهذا لن ينقطع الظلم.

ألا تؤكد أحداث التاريخ أن التغيير تصنعه القوة؟

تاريخ المسلمين، وجميع الأمم أيضا، مليء بالشواهد على أن الشرعية لا تأتي بالقوة، فبعد عهد الخلفاء الراشدين الذين وصلوا إلى الحكم برضا الناس، وحكموا بالعدل، ولم يورثوا أبناءهم من بعدهم؛ عادت الأوضاع إلى عالم آخر، يتحكم فيه القوي، وإذا ذهب هرقل جاء هرقل، وبعد الأمويين جاء العباسيون ولم يبق على ظهرها أموي.. وتوالت الأحداث؛ كلما جاءت أمة لعنت أختها، ولا قدرة لنا على الخروج من هذا المأزق، ونظن أننا يمكن أن نقضي على الخوارج بالخوارج.

لقد تمكن الرسول صلى الله عليه وسلم من إقامة الحكم، بدون أن يرفع أي سيف أو يقتل أحدا من الطرف الآخر، وإنما استقبله أهل المدينة وتقاسموا مع أصحابه أموالهم، لكننا فسرنا الحدث النبوي تفسيرا خوارقيا، وليس تغييرا سننيا قابلا للتكرار، لذلك لا يزال المسلمون إلى يومنا عاجزين عن العثور على سنة هذا التغيير وطريق العودة إلى الرشد، ونخلط بين عمل النبي في الدعوة، وبين عمله عندما صار رجل دولة، ومسؤولاً عن القرار.

كل شواهد التاريخ تؤكد أن الخيار المسلح لن يوصلنا إلى الرشد، أما خيار الأنبياء؛ فلا نزال نتلمس أطرافه، ونحتاج لمزيد من المعرفة والبحث والعلم، والصبر على قول الحق، وحتى لو فشلنا فعلينا أن نصبر، لأننا نكون على الطريق، وحتى لو قُتلنا، فسنكون مثل كثير من النبيين والآمرين بالقسط من الذين قُتلوا على طريق الإصلاح.

ينبغي أن نتذكر أننا إذا صنعنا قانونا ما، أيّ قانون كان، فإنه ينبغي أن يطبق على الجميع، علينا وعلى الآخرين، ولهذا قال عيسى عليه السلام: "كل من أخذ بالسيف؛ بالسيف يهلك"، وهذا القانون الصحيح.

كيف يولد نموذج الديمقراطية في بلاد أنهكتها الطائفية والحروب والتدخلات الخارجية؟

الديمقراطية لا تدخل أي بلد، ما لم يقر الجميع بالاحتكام إلى صندوق الانتخابات، وعدم الاحتكام إلى القوة، لكن الكرة الأرضية الآن صار مصيرها مشتركاً، وأصبحت الديمقراطية مشكلة عالمية، تبدأ من مجلس الأمن حيث حق الفيتو، إلى أصغر دكتاتوري في العالم. والعالم لن يدخل الديمقراطية قبل أن يتخلص من ثقافة حق الفيتو، ويقر الجميع بالاحتكام إلى العقل، وإلى صندوق الانتخابات.

إن أزمات العالم انعكاس ونتيجة للظلم الأكبر وللاستكبار والاستضعاف.

هناك من يرى في هذه الأطروحات يوتوبيا حالمة، وأن للواقع السياسي مقتضيات غير المثاليات الأخلاقية؟

هذا هو منهج الأنبياء، ومنهج النبوة الخاتمة، مهما ظن الناس أنه مثالي أو خرافي وغير قابل للتطبيق.. إنه منهج الأنبياء من البدء وإلى المنتهى. إن أعظم من نفذ هذا الأسلوب بوضوح وجلاء لا خدش فيه ولا التباس خلال 13 سنة؛ هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ليس يوتوبيا ولا مثاليات ولا مستحيلات.

ومن لم يصدق؛ فلينظر إلى الماضي، وليتأمل الحاضر، ولينتظر المستقبل، أو فليمارس "الواقعية" في شراء الأسلحة من العدو.

إن العقلية الأسطورية هي التي تقتل الناس، العقلية التي تؤمن بأننا يمكن أن ننتصر من خلال السلاح الذي نشتريه، والذي فات أوانه بما فيه القنبلة النووية. فكيف ينظر إلينا من يبيعنا السلاح، أو يتصدق به علينا لنقتل به بعضنا البعض؟

لن يتغير قانون الله، ولكن نحن الذين سنتغير، سيتغير مفهومنا عن الله وقوانينه وسننه، ولن يمل الله حتى نمل، وسنقوم بالحروب حتى نعتبر وندرك حقا ما هي البراغماتية والواقعية.

اشهدوا أنني على هذا الفهم وعلى هذا الالتزام.
التعليقات (4)
أسماء مبروكي
الخميس، 29-11-2018 03:58 م
كلام عميق جدا ..لو حل السلم والسلام في جميع ّأقطاب العالم لساد الأمان وانعدمت الدماء وحفظت نفس الإنسان ..فلنترك الله يأخذ روحنا لأنه واهبها، أما الحروب مهما كانت غايتها فهي تنم عن النزعة الشريرة والمظلمة في الجانب البشري..نريد العيش بسلام وبحب...
دانة قوموق
الخميس، 18-05-2017 11:47 م
أوافقك الرأي 100% استاذنا العظيم الله يمد بعمرك
عبد
الخميس، 18-05-2017 11:42 ص
كانك تؤمن ببعض وتكفرببعض
عماد العبد
الخميس، 18-05-2017 08:30 ص
كلام مبارك فيه عمق سوف يظهر يوما ما ولاكن بحاجة الي البعد الزمني وتغير مورثات او تجديدها وهذا ما بدء يحصل والي الشيخ جودت هناك مفكرين كثر ظلت افكارهم حبسه حتى جاء من يعيها وهو آت ان شاء الله والثانية معرفة السنن الآلهة والثالثة معرفة الاولويات وكيف تدار ويوم اذ يفرح المؤمنون