قضايا وآراء

مآلات المناطق الآمنة في سوريا

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600
قد تكون المناطق الآمنة الأربعة خطوة إيجابية نحو إقرار السلام السوري الصعب، فوقف إطلاق النار أو تخفيفه هو مطلب للشعب السوري ولفصائل المعارضة بعد الكوارث الإنسانية التي أحلت بالمدنيين في مناطق سيطرتها.
 
لكن المشكلة التي تقف أو تدفع إلى الشك بمدى نجاعة هذه المناطق أن النظام السوري وإيران لم يخفيا هدفهما الحقيقي بالسيطرة على كامل التراب السوري، والقضاء نهائيا على فصائل المعارضة قبل القضاء على المنظمات الإرهابية.
 
فضلا عن ذلك، فإن تحديد المناطق الآمنة جغرافيا بما فيها خطوط التماس من جهة، وطبيعة وهوية القوى المناط بها المراقبة، سيكون له تأثير كبير على مدى نجاح واستمرار الهدنة، فإذا كانت هذه القوى محصورة بالدول الضامنة، فإن الخلل الذي أصاب الهدن السابقة سيتكرر هذه المرة.
 
وقد بينت التجارب السابقة أن روسيا وحدها غير قادرة على فرض انصياع تام للنظام وإيران، وشهدنا كيف استطاعت طهران ضرب التفاهمات الروسية في حلب عقب إخراج فصائل المعارضة منها، وكيف استطاع النظام تحييد وادي بردى وبعض المناطق في محيط دمشق في الهدنتين الحالية والسابقة.
 
والأمر ذاته ينطبق على تركيا التي بدت غير قادرة وحدها على فرض انصياع كامل على كافة فصائل المعارضة، وبينت التجارب السابقة أن أنقرة لديها اليد الطولى على فصائل الشمال، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لفصائل الوسط والجنوب.
 
هنا يبدو التساؤل كبيرا، عن الأسباب التي دفعت روسيا لطرح هذه المبادرة بعدما رفضتها لسنوات خلت، هل موسكو بدأت البحث عن مصالحها الكبرى التي لا تتطابق تماما مع مصالح النظام وإيران؟ أم أن المبادرة الروسية ليس لها علاقة بطرفي الصراع السوري المحليين، بقدر ما هي متعلقة بالتشابك الروسي ـ الأمريكي في سوريا؟ أو أنها مبادرة مؤقتة لتحقيق أهداف ملحة لم يعد بالإمكان تأجيلها؟
 
من الواضح أن المبادرة الروسية تخدم أهدافا إقليمية ومحلية معا، فعلى الصعيد الإقليمي، لم تكن صدفة ترك منطقة القلمون بشقيها الغربي والشرقي خارج الاتفاق كما هو الحال مع بعض مناطق القنيطرة، وذلك تحت طلب أمريكي من أجل إسرائيل للاستمرار في ملاحقتها للعناصر اللبنانية والإيرانية.
 
وعلى الصعيد المحلي، من المفترض أن تؤدي المناطق الآمنة وفق القراءة الروسية إلى اخضاع فصائل المعارضة لشروط مكافحة الإرهاب، أي التفرغ لقتال المنظمات الإرهابية، وتحديدا "هيئة تحرير الشام" التي توجد جنبا إلى جنب مع الفصائل الأخرى، وهذا فخ روسي هدفه اقتتال الأقوياء، خصوصا في إدلب.
 
كما أن المبادرة الروسية ستثبت وضع النظام على الأرض وتثبت المكتسبات العسكرية له في لحظة تتطلب الالتفات نحو الشرق والجنوب الشرقي بعدما أصبحت الولايات المتحدة قاب قوسين أو أدنى من إطلاق المعركة هناك، ومن شأن هذه المعارك أن تعيد إنتاج النظام كشريك في محاربة الإرهاب.
 
وفي ضوء هذا المتغير وعدم قدرة الحلف الروسي على فتح جبهات متزامنة في كافة أنحاء سوريا، جاءت المبادرة لتطلق يد النظام وحلفائه في الشرق، فقد آن الأوان لمنع واشنطن من السيطرة على منابع الثروات في سوريا.
 
وليست صدفة أن يطلق النظام غداة توقيع اتفاق المناطق الأربعة عملية عسكرية كبيرة في البادية السورية بهدف الوصول إلى الحدود العراقية باتجاه معبر التنف – القريب من الحدود العراقية الأردنية - وقطع الطريق على الولايات المتحدة.
 
بدأت روسيا، في الآونة الأخيرة، تستشعر خطر الزحف الأميركي المتسارع في الملف السوري، ولا يتعلق الأمر بضربة مطار الشعيرات ومعارك الرقة فحسب، بل أيضا بالتحرّكات الأميركية في قلب محافظة دير الزور والجنوب السوري والجنوب الشرقي عند الحدود السورية ـ الأردنية والسورية ـ العراقية، مع نية أميركية لم تعد خافية بصنع وقائع جديدة على الأرض في المناطق الحدودية لسورية في الشمال والجنوب والشرق.
 
ومن شأن زيادة هذا الحضور العسكري الأميركي في سورية مع اقتراب إدارة ترامب من الوصول إلى رؤية للحل السياسي، أن يعقّد الدور الروسي ويضعفه إذا ما نجحت الأخيرة في إنجاز شيء ما على الأرض.
 
ولذلك، يمكن القول إن المبادرة الروسية قد تكون، في أحد وجوهها، خطوة استباقية لقطع الطريق على التحركات الأميركية المستقبلية، أو على الأقل تثبيت الوقائع العسكرية التي حصلت أخيرا، من خلال هذه المبادرة التي تحظى بدعم دولي.
 
ومن الواضح أن ثمة صراع مخفي للسيطرة على الحدود العراقية ـ السورية والحدود الأردنية ـ السورية، حيث تهدف واشنطن إلى إغلاق الحدود السورية أمام إيران، وقد نجحت في تحقيق ذلك في الشمال الشرقي على الجهتين السورية والعراقية عند معبر الربيعة من خلال سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" على أكثر من 70 كلم من الحدود، فيما تسعى الولايات المتحدة إلى استكمال سيطرتها على منطقة التقاطعات الحدودية بين سوريا والعراق والأردن عند معبر التنف، لتبقى البوكمال الهدف الأكبر لهذا المحور قبيل إطلاق المعركة الكبرى في دير الزور.
 
التعليقات (0)