قضايا وآراء

الحوار الوطني.. وخطيئة التمرد على الديمقراطية

خالد الشريف
1300x600
1300x600
بعد سنوات من التمرد على الديمقراطية الوليدة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وإقصاء فصيل وطني كان الأبرز على المشهد السياسي، عاد زميلنا حمدين صباحي إلى الظهور الإعلامي بتصريحات حملت هجوما عنيفا على نظام عبد الفتاح السيسي، قال خلالها إن "هذه السلطة أصبحت تمثل خطرا على الدولة المصرية بسياستها الفاشلة والعاجزة، ومن أراد أن يحمي الدولة المصرية عليه أن يقف في وجه السلطة".

ومن الطبيعي أن ظهور "صباحي" هذه المرة يصاحبه جدل واسع في ظل كشفه عن مساعٍ يقودها "التيار الديمقراطي"؛ للتوافق حول مرشح مدني للرئاسة خلال الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2018، وسط اتهامات واسعة للمرشح السابق بمعاودة تأدية دور الكومبارس للنظام الحالي برئاسة السيسي، رغم أنه أكد نيته عدم الترشح في الانتخابات القادمة.

وهذا أفضل ما قال صباحي وصرح به، بالإضافة لضرورة التوافق على مرشح وطني لخوض الانتخابات، فهي نقطة جيدة لترسيخ التوافق السياسي لإنقاذ البلاد من الأزمات الطاحنة التي تعيشها، إلا أن هذا التوافق يظل منقوصا بغياب الفصيل الأبرز في المعادلة السياسية، وهو التيار الإسلامي صاحب الشعبية الأكبر.

فما هو وزن تيار "صباحي" للوقوف في مواجهة تيار السلطة الحالية، حتى وإن سلمنا جميعا بتدني شعبية "السيسي"؟ وأكبر دليل على ذلك؛ حصول "صباحي" على أقل من 3 في المئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أيار/ مايو 2014، في حين حصد "السيسي" 96 في المئة من الأصوات، بعدما تجاوز عدد الأصوات الباطلة الرقم الذي حصل عليه "صباحي" من الأصوات.

الأمر يحتاج إلى توافق وتكتل وطني جامع لا يقصى منه أحد؛ لمواجهة السيسي خلال انتخابات 2018، هذا إذا سلمنا جدلا بنزاهة الانتخابات، والأجواء والضمانات التي تجرى في ظلها، لكننا نعتقد أن السبيل الأمثل لإنقاذ مصر هو أسبق على الانتخابات الرئاسية؛ يكون أولا بمراجعة النفس والاعتراف بالخطأ من كل الفصائل السياسية الموجودة على الساحة، وعلى رأسها التيار الناصري الذي يمثله "صباحي"، وهو تيار أخطأ في حق الثورة وفي حق نفسه؛ يوم أن تمرد على التجربة الديمقراطية، وشارك في إزاحة أول رئيس منتخب للثورة، مما أعطى الفرصة كاملة للثورة المضادة أن تتمدد وتقضى على الثورة الحقيقة. 

الخطيئة الكبرى هي الاصطفاف مع القوى المعادية للثورة من أجل التخلص من خصم ومنافس سياسي قوي، مما تسبب في العدوان على الإرادة الشعبية والقضاء تماما على المسار الديمقرطي، والآن الكل يصرخ من القهر والتنكيل ويستشعر الخطر على البلاد. وهذا جيد لكنه لا يكفي، فأول شيء يجب علينا فعله هو الاعتراف بالخطأ والاعتذار لهذا الشعب المطحون والمعتقلين والشهداء والمصابين من ضحايا الاستبداد، والإيمان الكامل أن الديمقراطية الناجحة تكون بالتوافق وعدم إقصاء أحد من الأطياف السياسية. وسبيلنا لتهيئة الاجواء والمناخ ومد جسور الثقة هو الحوار الوطني، حيث نلتقى فيه على قواسم وطنية مشتركة لننهى فيه أولا على حالة الاستقطاب والانقسام السياسي الحاد الموجود في المجتمع.

وأعتقد أن الحوار الوطني بين الفصائل والأحزاب والكيانات لا بد أن يكون حوارا شاملا، ليس له سقف وليس له حدود، ليشمل كل الموضوعات التي تمس الأزمة المصرية، من سياسية واقتصادية ومرحلة انتقالية وانتخابات رئاسية وبرلمانية ودستور وتشكيل حكومة وطنية ودور المؤسسة العسكرية؛ التي يجب ان تكون راعية للديمقراطية وتقف على مسافة واحدة من جميع الأطياف السياسي،ة فلا تنغمس في السياسة وتتفرغ لحفظ البلاد وحماية الحدود.

بل إنني أرى أن نجاح الحوار الوطني يعتمد على عدم حظر أي موضوعات، فالنقاش يكون مفتوحا لكل الأطراف، وتكون نتائج هذه الحوارات ملزمة من خلال تصورنا أنها لا بد وأن تنتج برنامجا عمليا للخروج من الأزمة واستكمال الثورة، ويكون هذا البرنامج مُلزما للحكومة التي يتم التوافق عليها وللحكومات التالية؛ لأن تصورنا لنهضة مصر واستكمال الثورة لن يستغرق عام أو عامين، بل ربما أكثر من 8 أو 10 سنوات.

لهذا، نرى الحوار الوطني هو المخرج الرئيسي من هذه الأزمة؛ في ذات الوقت الذي ندعو فيه للوقوف بشدة وبحزم واستعمال آليات الدولة القانونية في التعامل مع كل مظاهر الخروج على القانون، وخاصة استخدام العنف كوسيلة للتغيير. فلا بد للقوى الوطنية أن تعلن رفضها ومواجهتها للإرهاب الأسود الذي يمثل خطرا حقيقيا على مصر، وإن كنا نعتقد أنه وليد سياسات حكومات خاطئة واستبداد وقمع مورس على الشعب البأس المقهور.

فليكن الحوار، وهو وسيلة فعالة من وسائل الديمقراطية، سبيلنا لبناء تيار وطني جامع، ولا غضاضة أن تشارك فيها بعض مؤسسات الدولة الوطنية، وعلى رأسها الأزهر الشريف الذي هو محل تقدير واحترام الجميع.

الحوار واستعادة جسور الثقة بين أطيافنا السياسة مهمان للغاية في تلك المرحلة، فمن الواجب أن نُعلي مصلحة الوطن فوق مصالحنا الحزبية الضيقة. فمصر الآن في أزمة عاتية يجب الوقوف والاصطفاف لحلها وإلا ضاعت وضاع كل أمل للمصريين.

ربي يحفظ مصرنا من كل مكروه وسوء، ويفك أسر كل معتقل ومظلوم، ويرد كل غائب إلى بلاده سالما غانما يارب العالمين.
التعليقات (0)