ملفات وتقارير

عمالة الأطفال السوريين بتركيا.. أجور زهيدة ومستقبل ضائع

تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال السوريين داخل سوريا وخارجها- أ ف ب (أرشيفية)
تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال السوريين داخل سوريا وخارجها- أ ف ب (أرشيفية)
على الرغم من الجهود التي لا تزال السلطات التركية تبذلها لإدخال الأطفال السوريين في نظام التعليم، إلّا أن شريحة كبيرة منهم ما يزالون رهن الورشات والمعامل؛ سعيا للمساهمة في رأب العجز الاقتصادي لعائلاتهم، مؤجّلين بذلك أحلاما وآمالا هي من أبسط حقوقهم وفق كل المعايير الدولية.

وتشير آخر الأرقام الرسمية إلى أن نسبة 92 في المئة من اللاجئين تحت سن 15 عاما ملتحقون بنظام التعليم ضمن مخيمات اللجوء، إلّا أن السلطات التركية تتحاشى تحديد هذه النسب خارج المخيمات بشكل دقيق، لكن بعض الإحصائيات غير الرسمية تشير إلى أنها لا تتجاوز 30 في المئة.

وقد تمكنت "عربي21" من مقابلة بعض العائلات السورية في ولاية غازي عنتاب التركية، التي اضطر أطفالها للتخلّي عن مقاعد الدراسة؛ للانخراط في سوق العمل؛ للمساعدة في تأمين متطلبات الحياة للعائلة.

فعبد الكريم ( 10 أعوام)، رغم أنه يحمل ثلاث فتحات في قلبه، إلا أن إصابة والده والوضع المادي الصعب لعائلته اضطراه إلى أن يعمل 12 ساعة يوميا مقابل 15 دولارا في الأسبوع. ورغم تكفل أحد المقتدرين بجزء من مصاريف الأسرة، إلّا أن عبد الكريم، مع عدم حاجته للعمل بعد الآن، تدهورت حالته الصحية، وفقد فرصته بالعودة لمقاعد الدراسة ولو إلى حين.

أما شهد (14 عاما)، فهي يتيمة الأبوين، وتعيش مع جدتها. وهي تقضي أكثر من 10 ساعات يوميا في ورشة للتطريز، وتعود مساء؛ لتقوم على حاجات المنزل، مستغنية بذلك عن أحلامها لقاء لقمة العيش وإعالة الجدة.

وتقول خديجة، وهي أم لستة أطفال وزوجة لرجل عاطل عن العمل: "زوجي حرمني من العمل، وأجبرت طفلي عليه (العمل)". وتروي لـ"عربي21" كيف أن إحدى الجمعيات أمنت لها عملا محترما، مضيفة: "زوجي لم يتحمّل فكرة عملي خارج المنزل، فهو يخاف على سمعته من حديث الناس؛ لذلك أجبرني على تركه، ليجبر ابني الأكبر (12 عاما) على ترك المدرسة والالتحاق بالعمل"، مقابل أجر زهيد، كما توضح.

أما أبو أحمد، وهو ربّ أسرة مكونة من ستة أشخاص، فلديه رأي آخر، ويقول لـ"عربي21": "خسرنا كل شيء بسبب الحرب، ويجب أن نجمع أكبر قدر من المال؛ لنستطيع أن نبدأ حياتنا من جديد"، مشيرا إلى أنه أخرج طفليه من المدرسة؛ ليعملا مع إخوتهما البالغين في معمل لتصنيع الأحذية.

بدورها، تعزو أحلام ميلاجي، المديرة التنفيذية لمنظمة "زنوبيا"، المهتمة بشؤون المرأة السورية، ظاهرة عمالة الأطفال إلى الحاجة والفقر، حيث "تعتمد كثير من هذه الأسر على ما يجنيه الأطفال من عملهم كمورد رزق رئيسي، إضافة لأسباب وعوامل أخرى؛ كقلة الوعي لدى بعض الشرائح، وانتشار عادة التسيّب الدراسي، والانخراط المبكر في سوق العمل".

وتقول لـ"عربي21": "أمر مؤكد أن التعليم حق وحاجة بالنسبة للأطفال، لكن المعيشة والبقاء على قيد الحياة حاجة أولى، فهناك أطفال يعملون لتأمين قوت أسرهم، كما توجد عادة قديمة أصلا لدى بعض الشرائح المجتمعية بالتسيّب الدراسي والعمالة المبكرة؛ بهدف إكسابهم حرفا أو مهنا".

وأوضحت أن هناك عوائق قانونية تواجه الكثير من الأطفال، كعدم قدرتهم على الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة في تركيا، ما يؤدي لحرمانهم من التعليم الرسمي، "وهذا يجعل الأهل أمام خيارين: إما تحمل مصاريف إضافية لإدخال الأطفال إلى مدارس خاصة، وإما توجيههم لسوق العمل"، وفق قولها.

وتشير ميلاجي أيضا إلى أن "تفشي ظاهرة عمالة الأطفال أصلا في غازي عنتاب ساهمت في استساغة الكثير من الأسر السورية فكرة عمل أطفالها بدل وجودهم على مقاعد الدراسة"، وفق تقديرها.

كما حمّلت جزءا من المسؤولية أيضا إلى منظمات المجتمع المدني السورية، التي تنشط على الأراضي التركية، معتبرة أن الكثير منها يتذرع بعدم وجود برامج دعم مخصصة لدعم الطفل أو الأسرة.

أما المدرّس التركي والناشط التعليمي، محمد أمين شيمشيك، فينظر إلى الظاهرة من زاوية مختلفة، حيث يرى أن إقامة شريحة واسعة من اللاجئين خارج المخيمات يحتّم عليهم كسب رزقهم بشكل ذاتي، بحكم اقتصار الدعم الحكومي على قطاعي الصحة والتعليم.

وقال لـ"عربي21": "بالنسبة للمواطن التركي العامل بالحدّ الأدنى للأجور، فإن تأمين متطلبات الأسرة غير ممكن عمليا، فما بالكم باللاجئ السوري الذي يفتقر للغة، ويتعرض في الكثير من الأحيان للاستغلال"، معتبرا أن "هذا الواقع يفرض على الأسر غالبا إرسال أطفالها للعمل، وهو أمر منطقي إذا تم النظر إليه من زاوية الأولويات"، وفق قوله.
التعليقات (0)