قضايا وآراء

"درع الفرات" .. نجاح دونه تحديات

محمود عثمان
1300x600
1300x600
بتوقيت فاجأ الكثيرين أطلقت تركيا عملية "درع الفرات" العسكرية في الرابع والعشرين من شهر حزيران/يونيو من العام الماضي، بمشاركة قواتها البرية والدبابات وسلاح المدفعية، مصحوبة بغطاء من سلاح الجو التركي.

العملية صممت لتكون بالتعاون مع كتائب "الجيش السوري الحر", بهدف تطهير منطقة الشمال السوري الحدودية مع تركيا من المنظمات الإرهابية, تنظيم "داعش" والمنظمات الانفصالية الكردية من مشتقات حزب العمال الكردستاني, الحزب الديمقراطي الكردي PYD, وقوات الحماية الكردية YBG. 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بين أن هدف عملية "درع الفرات" هو تحرير أراض مساحتها 5000 كيلومتر مربع من تنظيم داعش الإرهابي, من أجل إقامة منطقة آمنة للنازحين واللاجئين السوريين فيها, وأن العملية ستستمر حتى تحقق أهدافها كاملة.

لكن مجلس الأمن القومي التركي أعلن في التاسع والعشرين من شهر آذار/مارس الماضي أن عملية "درع الفرات"، التي نفذتها القوات التركية بالتعاون مع فصائل المعارضة السورية المنضوية تحت لواء "الجيش السوري الحر" في شمال سورية، قد انتهت بنجاح.

جاء ذلك في بيان خاص صدر عن المجلس بهذا الصدد يقول إن "عملية درع الفرات التي جرى تنفيذها من أجل منع الهجمات من قبل تنظيم داعش وعرقلة التهديد النابع عنه، ولخلق إمكانيات لعودة السوريين إلى بلادهم وضمان الظروف الملائمة لعيشهم الآمن والهادئ" قد حققت أهدافها. علما بأن المناطق التي تم السيطرة عليها وتحريرها من تنظيم داعش لم تتجاوز ألفي كيلو متر مربع!

أسئلة كثيرة طرحت عقب الإعلان التركي عن نهاية عملية درع الفرات .. 

أولها: ما هي الأسباب المؤدية لتوقف عملية درع الفرات بشكل فجائي؟ .. ولماذا تم الاكتفاء بألفي كيلومتر مربع من أصل خمسة آلاف ؟.. وهل حققت عملية درع الفرات أهدافها حقا؟ .. وما هي التحديات التي تواجه عملية درع الفرات بعد طرد داعش من المناطق المحررة؟

لعل أهم الأسباب المؤدية إلى توقف عملية درع الفرات ووصولها عسكريا إلى طريق مسدود هو اصطدامها بتعنت الموقف الأمريكي. الأمريكان فضلا عن أنهم لم يقدموا أدنى دعم عسكري أو لوجستي لعملية درع الفرات, بالرغم من أنها تتساوق مع أهدافهم في الحرب على الإرهاب ودحر تنظيم داعش, وهم الذين قد حشدوا الحشود للهدف ذاته, فإنهم لم يقدموا لها أي غطاء سياسي أيضا!

بات واضحا أن اختيار الأمريكان لشركائهم في الحرب على تنظيم داعش يخضع لمعايير الهندسة السياسية, بعيدا عن مقتضيات العمل العسكري أو أهدافهم المعلنة. لذلك بات من الطبيعي أن يكون لكل دولة أو قوة دولية أو إقليمية تعريفها الخاص للحرب على الإرهاب, مع أن العدو المعلن واحد هو تنظيم داعش. فما يقصده الأمريكان من الحرب على داعش يختلف عما يطمح إليه الروس, وما يخطط له الإيرانيون يختلف عن يريده الأتراك.. وهكذا دواليك!

بالنظر إلى خارطة توزع القوى العسكرية لمنطقة درع الفرات نجد أن الأمريكان والروس قد وضعوا متاريس أمام تقدم قوات درع الفرات لمنعها من متابعة الحرب على تنظيم داعش.

فبينما دفع الأمريكان قوات الحماية الكردية من الجهة الغربية والشرقية, دفع الروس قوات نظام الأسد والمليشيات المتحالفة معه نحو المنطقة الجنوبية, حيث لم يبق سوى شريط ضيق من جهة الشمال يربط مدينة الباب بالحدود مع تركيا, ليكتمل بذلك الخناق على قوات درع الفرات, مما جعل الاستمرار في العمل العسكري مستحيلا.

 لأنه بات يعني الصدام مع الأمريكان من خلال المنظمات الانفصالية الكردية من جهة, ومع الروس من خلال الاشتباك مع قوات النظام والميليشيات الداعمة له. 

إذا علمنا أن عملية درع الفرات جاءت نتيجة تفاهمات مرحلية جزئية بين أنقرة وموسكو من جهة, وأنقرة وواشنطن من جهة أخرى, فإن توقف عملية درع الفرات عند مساحة ألفي كيلو متر مربع, يشير إلى حجم الدور ومجال الحركة الممنوح, الذي سمحت به كل من موسكو وواشنطن لأنقرة. ويشير أيضا إلى مناطق نفوذ تركيا على الخارطة السورية. وهي دون شك دون طموحات وتوجهات أنقرة, لأنها ببساطة بعيدة جدا عن تأمين الحد الأدنى المطلوب لحماية أمنها الاستراتيجي.

بعد النهاية الاضطرارية للشق العسكري من عملية درع الفرات بدأت تحديات إرساء الأمن وإعادة الإعمار, وإصلاح البنية التحتية, وتهيئة الظروف, من أجل عودة النازحين والمهجرين إلى بيوتهم.
 
مع غياب الغطاء السياسي الدولي لعملية درع الفرات فقد تحولت إلى سلطة الأمر الواقع. وهذا ما فتح الباب واسعا أمام المشككين من عملاء النظام وخلاياه النائمة, للإشاعة بأن القوات التركية الموجودة ضمن عملية درع الفرات هي قوات احتلال, في محاولة لتضليل العامة. علما بأن هؤلاء لم يسمع لهم صوت إبان احتلال داعش لمدينة الباب, وتحويل حياة أهلها إلى جحيم لا يطاق.

التحديات التي تواجه "درع الفرات":

أولا: الخدمات المدنية:
على صعيد الخدمات المدنية, ما تم إنجازه لا يمكن إنكاره أو تجاوزه. لكن التحديات كبيرة جدا, حيث لا زال التيار الكهرباء مقطوعا, وكذلك شبكة المياه مدمرة, وتأمين المحروقات غير مستقر. حيث تنظيم داعش الإرهابي دمر كامل البنية التحتية وجميع مرافق الحياة. 

عملية إزالة الأنقاض جارية على قدم وساق. بإزالة أنقاض المباني المدمرة بشكل كامل, وهدم المباني المتضررة بالحرب, التي يشكل السكن فيها خطرا على حياة أهلها. من المهم في هذه العملية إقناع الأهالي وتقديم البدائل الصالحة.

ثانيا: المجلس البلدي والأمن:

فرض الأمن داخل المدن وفي المناطق المأهولة بالسكان من أهم الأسباب التي تعيد النازحين إلى مساكنهم. فقد بدأت الدفعة الأولى من قوات الشرطة التي تم تدريبها وتأهيلها في تركيا, تأخذ دورها في حفظ الأمن وحماية المدنيين. كما أن المجلس المحلي لمدينة الباب بدأ في مزاولة أعماله في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد. الخطوة الأهم هي سحب الفصائل العسكرية من مناطق السكان إلى الجبهات.
 
التحدي الأمني الأكبر يكمن في عودة بعض الأشخاص ممن يحملون فكرا متطرفا, بشكل فردي قد يمكنهم في المستقبل من تشكيل خلايا نائمة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة.

ثالثا: تأمين الطرق والدعم اللوجستي:

التحدي الأكبر أمام عملية درع الفرات يتمثل في الحفاظ على الشريط (الكوريدور) الواصل بين مدينة الباب والحدود السورية التركية. 

جهود كبيرة تبذلها السلطات التركية من أجل إعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي في منطقة درع الفرات. لكنها تسير ببطء شديد يشتكي منه غالبية الأهالي.
0
التعليقات (0)