مقالات مختارة

كيف يرى الأمريكيون نظام السيسي؟

جمال سلطان
1300x600
1300x600
الأسبوع الماضي شهد مجلس الشيوخ الأمريكي جلسات استماع لعدد من الخبراء الأمريكيين المختصين بالشأن المصري، وذلك لتقييم الأوضاع تمهيدا لاتخاذ قرار في شأن المعونات العسكرية إلى مصر، وفي اللجنة الفرعية للاعتمادات تكلم ثلاثة من الخبراء، هم: ميشيل دن، مديرة برنامج الشرق الأوسط بمعهد كارنيجي للسلام الدولي، و إليوت أبرامز، الزميل بمجلس دراسات الشرق الأوسط للعلاقات الخارجية، وتوم ماليونسكي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق، والحقيقة أن الكلام الذي قيل، وبعضه لا يمكن عرضه هنا، مهم للغاية أن يتأمله صانع القرار المصري، كما من المهم أن يكون الرأي العام المصري على دراية به، وقد لاحظت أن الصحف القومية والموالية تجاهلته بالكامل، رغم أهميته البالغة، لأنه حدث بالفعل وقدمت تلك الشهادات لمجلس الشيوخ الأمريكي بالفعل، فلماذا نضع رؤوسنا في الرمال، هو كلام خبراء أمريكيين أمام أرفع مؤسسة تشريعية، وليس كلام قنوات فضائية معادية أو نشطاء الإخوان المسلمين أو المعارضين.

الشهادات كانت متطابقة بشكل مذهل، وكانت تركز على تراجع دور مصر في المنطقة، وأنه لم يعد بالأهمية التي كان عليها قديما، أو حسب نص الشهادة: (كانت مصر محورية بالنسبة إلى «عملية السلام» الإسرائيلية الفلسطينية. أما اليوم، فليس لمصر دور مهم فيما يتعلق باليمن أو العراق أو سوريا، بل لم يعد لها دور في الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين)، وهذا الكلام أذكر أننا قلناه هنا مرارا، محذرين من سوء أداء الديبلوماسية المصرية، وتراجع نفوذ مصر ودورها في أكثر من منطقة، بما في ذلك الملف الفلسطيني، ناهيك عما يتعلق بصميم الأمن القومي المصري في القرن الإفريقي، ودع عنك هامشية دور مصر في العراق وسوريا واليمن.

وتركز الشهادات على دور الوساطة في القضية الفلسطينية ومكانة مصر فيها، وضمان احترام معاهدة السلام، فتقول إنه لم يعد ذا قيمة كبيرة؛ لأن أي جهة تحكم مصر أصبح من مصلحتها قبل مصلحة أمريكا أن تحافظ على تلك المعاهدات، مشيرة إلى أن الإخوان أنفسهم التزموا بها في سنة حكمهم، تقول الشهادة: (إن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى رشوة مصر أو مكافأتها على علاقاتها مع إسرائيل، فكما رأينا في مدة حكم الرئيس مرسي، فحتى الحكومة التابعة للإخوان المسلمين لم تقطع العلاقات الدبلوماسية، ولا التعاون الأمني مع إسرائيل، لأنَّ هذه العلاقات تصب في مصلحة مصر).

هذا كلام على المكشوف، والمحور الثاني الذي ركزت عليه الشهادات هو الحرب على الإرهاب في سيناء، والدور الذي تقوم به الدولة في مواجهة تهديدات داعش، إذ ترى الشهادات المقدمة أن ثمة خللا في المواجهة لا يخدم هدف سحق الإرهاب، وتوضح قائلة: (محاربة التمرد في سيناء يكون بتأمين السكان لا معاقبتهم. ونتيجة لذلك نما التمرد وزاد الإرهاب في مصر منذ تولي الرئيس السيسي الحكم)، وهو الكلام نفسه الذي سبق أن قلناه هنا، وحذرنا من مواقف يمكن أن تخلق حاضنة شعبية للإرهاب مما يعقد المشكلة، وأن مواجهة الإرهاب تقتضي منظومة سياسية واجتماعية وتنموية تحاصره وتجفف المنابع التي يتغذى عليها، وهو ما قاله التقرير هنا: (العنف ليس العامل الوحيد لاستعداء أهالي سيناء، وإنما التجاهل أيضا، إذ يتعذر عليهم الحصول على أي منصب كبير في الدولة، ولا يمكنهم العمل في الجيش، ولا الشرطة، ولا القضاء، ولا الوظائف الدبلوماسية. إلى جانب عدم تنفيذ أية مشروعات تنموية في شمال سيناء منذ أربعين عاما)، والحقيقة أن هذه شكاوى قديمة لرموز سيناوية، منذ عهد مبارك وحتى اليوم، ولطالما بحت الأصوات بأهمية إنجاز مشروعات تنموية عملاقة في سيناء لتأمين عمق مصر وأمنها القومي هناك.

ثم تعرضت الشهادات المقدمة لمجلس الشيوخ إلى ما يجري من حملات قمع وانتهاكات لحقوق الإنسان واتساع نطاق الاعتقالات، مشيرة إلى أن ذلك يخدم الإرهاب ويوسع نطاقه ويمده بمزيد من الكوادر، أو كما قالت الشهادات بنصها : (إنَّ مصر تتصرف بطريقة سوف تجعل منها مصنعا للجهاديين. إنك لو أخذت آلافا من الشباب ووضعتهم في السجن وضربتهم وعذبتهم وحبستهم لفترات طويلة مع جهاديين حقيقيين، فالنتيجة النهائية هي زيادة عدد الجهاديين).

ويتحدث التقرير عن أولويات التسليح في مصر، ويرى أن مصر ليست بحاجة إلى طائرات ثابتة الجناحين أو الدبابات؛ لأنها ـ حسب قولهم ـ مخصصة للحروب التقليدية وهي التي لم تخضها مصر منذ 1973 حتى الآن (44 عاما) وربما لا تخوضها أبدا في الأمد المنظور، حسب نص الشهادة، ويرى أن الإنفاق على انشاء المزيد من المدارس أهم من الإنفاق على شراء المزيد من السلاح من تلك النوعية، أو حسب قول إحدى الشهادات نصا: (قل لي صراحة، هل تعتقد أنَّ مصر بحاجة إلى المزيد من الدبابات أم المزيد من المدارس؟).

الشهادات تساءلت أيضا عما يبثه الإعلام الرسمي المصري والموالي للنظام من هجوم على الولايات المتحدة والحديث عن حروب الجيل الرابع والإشارة إلى أن هناك خططا أمريكية مزعومة لتخريب مصر في الوقت الذي قدمت أمريكا أكثر من 77 مليار دولار لدعم الجيش المصري والاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية، كما أشارت إلى الحملة ضد نشاطات المجتمع المدني بمن فيهم مواطنون أمريكيون على نحو ما حدث مع "آية حجازي"، وكيف يستقيم ذلك مع تقديم الدعم لإدارة تتخذ تلك المواقف العدائية للمواطنين الأمريكيين، حسب قول الشهادات، ومع نشطاء يقومون بدور تنموي خارج إطار السلطة.

الشهادات مهمة للغاية، وتعني أنهم يرون الصورة من قريب، وإن كنت أشك في أن تحظى بالاهتمام الكافي من صانع القرار في القاهرة، حيث نعيش مرحلة من التناقض والاستعراض وتسويق الأوهام للداخل ومشروعات اليوم بيومه والخوف من أصوات النصح والتحذير، وتوظيف إعلام الديماجوجية في نسختها القديمة البائسة التي تجاوزها الزمن.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)