كتاب عربي 21

ثم ماذا بعد انهيار حلم استعادة الخلافة

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
 منذ أن ظهرت النواة الأولى لما سمي بالسلفية الجهادية في تونس حتى تيقنت بأن هذا التيار سيدفع بأنصاره نحو طريق مسدودة، و سيتحرك في اتجاه معاكس لحركة التاريخ. 

كانت  تونس بعد الثورة في حاجة إلى ثقافة نقدية و عقلانية، في حين كانت هذه الجماعات تروج لثقافة تعتمد على منهج غير ديناميكي للنصوص و التراث العقدي والفقهي. 

و كانت تونس في حاجة إلى نظام ديمقراطي تكون الحاكمية فيه والسيادة للشعب، تمارس فيه السلطة من خلال الانتخاب و الدستور، في حين أن الجماعات كانت تعمل على أن تجعل من نفسها مرجعية فكرية وسياسية بحجة كونها الأقرب إلى فهم الدين و الشريعة.

 و كانت تونس في تلك لحظة الانتقال السياسي في حاجة إلى شباب مجتهد يتحمس للتغيير و البناء، في حين كانت تلك الجماعات تسعى إلى تعبئة هؤلاء الشباب من أجل تقويض الدولة و خوض معارك في مختلف المواقع و المناطق وفي مقدمتها بلاد الشام .

كان التونسيون في أشد الحاجة إلى الوحدة و السلم و التنمية، فإذا بخطاب هؤلاء كان تقسيميا على المستوى العقائدي، و كان مكلفا جدا على مستوى الأرواح و الثروات. 

رغم أن هذا كله كان واضحا لمن قرأ التاريخ و استعرض التجارب السابقة واستنطق الواقع، إلا إنهم رفضوا الاستماع إلى النصيحة، وأصروا على خوض غمار الحرب بعد أن توفرت لهم فرصة تاريخية للنشاط الحر في تونس . 

انطلقوا في تنفيذ ما اعتقدوه صوابا، وأسسوا تنظيما معقدا، و تدربوا على السلاح، وواجهوا الدولة بعنف، واستغلوا ضعفها خلال السنوات الأولى من الثورة، ووجهوا ضربات موجعة للاقتصاد ولمصادر عيش التونسيين، و اتخذوا من ليبيا ملجأ و ممرا قبل أن يستقر الكثير منهم في سوريا وبدرجة اقل في العراق اعتقادا منهم بأن بلاد الشام ستشهد بناء دولة الخلافة. وقد أقام الكثير منهم هناك تاركين عائلاتهم تحترق ألما، و أظهر العديد منهم هناك بأسا شديدا حتى أشيع بأنهم كانوا من بين أشرس مقاتلي داعش ومن أكثرهم غلظة. 

اليوم مرت 6 سنوات على هذه التجربة المثيرة و القاسية، وجاء الحصاد مرا، وأسفرت المغامرة عن خسائر ضخمة و كارثية. 

لقد قتل من هؤلاء الشباب التونسيين ما لا يقل عن 700 شخص، ووجد آخرون أنفسهم رهائن تحت قيادة أفراد لا خبرة لهم بإدارة حروب عادية فما بالك بحروب تشارك فيها دول عظمى وبأسلحة مدمرة إلى جانب جيوش نظامية محلية. 

اليوم، وقد بدا وضاحا أن تنظيمي داعش والنصرة وما تفرع عنهما من جماعات أخرى تواجه حصارا دوليا لن يتوقف إلا بعد إضعاف هذه الجماعات، ودفعها من جديد إلى العودة إلى أحجامها الصغيرة والمجزأة، وأن تكتفي بالعمل السري وبالقيام بعمليات عنف محدودة هنا وهناك. فالمسار الحالي يتجه نحو سحب الأرض من تحت أقدام هذه الجماعات. كما أن مشروع الدولة يتبخر تدريجيا، ومعه "حلم استئناف الخلافة". 

وهذا يعني أن البرنامج السياسي والأيديولوجي الذي تمت المراهنة عليه من قبل هذه الجماعات خلال السنوات الأخيرة يتجه نحو الانهيار الكامل، رغم استمرار التجييش، حيث اعترفت وزارة الداخلية التونسية بأن شبكات تسفير الشباب قد ازداد نشاطها بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة. لكن الذين يستجلبون حاليا إلى سوريا سيكتشفون بسرعة أنهم يدفعون للمشاركة في معارك خاسرة مسبقا، لأن موازين القوى قد تغيرت ، ولأن القوى الدولية والإقليمية قد شرعت في إعادة صياغة المشهدين الجغرافي والسياسي لسوريا وللمنطقة. وهو ما يجعل سفرهم إلى أرض المعركة لا معنى له سوى الانتحار المجاني والغبي.

عندما تنتهي الحروب لا يعني أن المأساة قد انتهت. على العكس من ذلك، تبدأ معاناة الآلاف من هؤلاء الشبان الذين سيتوهون في صحراء قاحلة، تطاردهم مختلف مخابرات العالم، وسيستغلون أبشع الاستغلال، وقد يتحولون إلى مقاتلين مدفوعي الأجر، تستعملهم الدول ضد بعضها البعض، وقد توظفهم عصابات الجريمة المنظمة لإنجاز مهامها القذرة. 

في هذه المرحلة الصعبة والبشعة، لا مفر من التفكير العميق والمسؤول من أجل وضع الخطط المدروسة في سبيل معالجة حالات العائدين إلى أوطانهم. وهي القضية التي يجري خلاف حاد حولها في تونس، لأن هناك كثيرون من يرفضون عودة هؤلاء، ويرون فيهم قنابل موقوتة، ويتمنون لهم الموت بعيدا عن أرض الوطن. إنه شوط آخر من قصة مأساوية تتطلب الكثير من العقلانية وبعد النظر.

2
التعليقات (2)
علي أسود
الإثنين، 24-04-2017 03:24 م
ستتفاجأ بسقوط بغداد و دمشق