قضايا وآراء

ما الجديد في التصعيد الأمريكي ضد إيران؟

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600
صعدت الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة من خطابها ضد إيران، بعد الحرب التويترية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعيد تسلمه مقاليد الحكم.

وجاء هذه المرة التصعيد الكلامي ضد طهران على لسان المتحدث باسم دونالد ترامب "شون سبايسر"، وكل من وزير الخارجية ووزير الدفاع الأمريكيين ومسؤولين آخرين، من خلال البوح باتهامات قديمة حديثة مثل "إيران راعية الإرهاب"، و"إيران تزعزع المنطقة". وهي اتهامات عادت إلى الواجهة بقوة بعد توقف موقت عنها خلال عهد الرئيس باراك أوباما.

التصعيد الأخير الذي يستهدف بالتحديد ثلاثة ملفات "الاتفاق النووي"، و"النفوذ الإيراني الإقليمي"، و"حقوق الإنسان في إيران"، لقى في المقابل ردا إيرانيا عنيفا على لسان وزيري الدفاع والخارجية الإيرانيين، وآخرين.

الآن السؤال المنطقي الأبرز أنه ما الجديد في هذا التصعيد الأمريكي، وهل هو مجرد تصعيد كلامي أم يتجاوز ذلك، ووراءه ما ينذر بإجراءات وأفعال تترجم هذا التصعيد.

في البحث عن الإجابة على هذا السؤال لا بد أن ننظر إلى الدلالات الزمانية والمكانية للتصريحات التي أدلى بها المسؤولون الأمريكيون ضد طهران في الآونة الأخيرة، والتي فسرتها وسائل الإعلام أنها تصعيدية حادة وبنت عليها تحليلات وقراءات لامست ظواهر الأمر.

أما تصريحات وزير الخارجية الأمريكي والناطق باسم الرئيس الأمريكي حول الاتفاق النووي، فجاءت بعد أن مدّد دونالد ترامب تعليق العقوبات النووية على إيران لمدة 90 يوما آخر. هذا التمديد يتعارض تماما مع كل ما صدر من ترامب منذ حملته الانتخابية وبعد الفوز في الرئاسة خلال ثلاثة أشهر الماضية ضد الاتفاق النووي. وهذا يعني أن ترامب ليس كما كان يُروج أن فعله يتطابق مع قوله، بل أثبت هذا التمديد أيضا أنه يمكن أن يقول شيئا ويفعل عكسه.

الإدارة الأمريكية لم تكتف بتمديد تعليق العقوبات النووية على إيران، بل أكدت في رسالة لوزير خارجيتها ريكس تيلرسون إلى رئيس مجلس النواب الأمريكي بول راين، أن طهران تنفذ التزاماتها بحسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عهد الرئيس الأمركي السابق باراك أوباما والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

في تفسير هذا اللغز والتعارض البيّن، ما يمكن قوله إن التصريحات التي أطلقها مسؤولون أمريكيون ضد الاتفاق النووي والحديث عن تعليمات ترامب لوكالات الأمن الأمريكية لمراجعة الاتفاق خلال 90 يوما، كانت لها دلالة زمانية واضحة، غفلتها التحليلات والتفسيرات، وهي التغطية على التعارض الذي وقع بين فعل ترامب بتمديده تعليق العقوبات، وقوله ضد الاتفاق طوال الفترة الماضية.

هنا ما يجدر قوله إن التضخيم الإعلامي لما جاء على لسان كل من سبايسر وتيلرسون حول أوامر أصدرها الرئيس دونالد ترامب لوكالات الأمن الأمريكية بإشراف مجلس الأمن القومي بمراجعة خطة العمل الشاملة المشتركة خلال 90 يوما، لم يكن في محله، حيث تقوم الإدارة الأمريكية منذ دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ في يناير 2016 بتقييم دوري كل 90 يوما، وتقرر أن يتلقى الكونغرس الأمريكي كل 90 يوما تقريرا حول مدى التزام إيران ببنود الاتفاق.

الذي استجد في هذا الصدد هو تكليف وكالات الأمن الأمريكية بمراجعة الاتفاق النووي كي يتم تقييم ما إذا كان تعليق العقوبات بموجب الاتفاق النووي يصب في المصالح العليا للأمن القومي حسب بيان وزير الخارجية الأمريكي. 

هذا المستجد جاء بعد خطوة ترامب المؤيدة للاتفاق النووي، وهي الحدث الحقيقي الذي غفله الإعلام العربي، حيث قام الرئيس الأمريكي المناهض للاتفاق، بما يؤكد التزامه به من خلال التوقيع على تمديد تعليق العقوبات النووية. بعد هذه الخطوة الترامبية، وكذلك تأكيد مجموعة السبع خلال اجتماعها الأخير على التزام الجميع بالاتفاق النووي، تبقى دعوة ترامب لوكالات الأمن بمراجعة الاتفاق مجرد خطوة تمويهية للتغطية والتستر على ما فعله في هذا التوقيت، وكذلك لها مآرب أخرى مثل ممارسة مزيد من الضغط على إيران. 

كما أن تمديد تعليق العقوبات على إيران له دلالة واضحة أن الإدارة الأمريكية الجديدة المعادية للاتفاق النووي فشلت حتى هذه اللحظة في إيجاد بديل لهذا الاتفاق في التعامل مع الملف النووي الإيراني، مما اضطرت القبول به وتأييده عمليا، ولو ظلت تهاجمه كلاميا.

أما تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الجنرال ماتيس حول الدور الإيراني في المنطقة، وتجديد الاتهام لإيران بزعزعتها، فجاءت خلال جولة إقليمية له، وبالذات أثناء زيارته للسعودية، هنا الدلالة المكانية لمثل هذه التصريحات، تؤكد أن هذا التصعيد على لسان ماتيس كان استهدف بالدرجة الأولى استرضاء المضيف السعودي قبل توجيه رسائل حادة إلى طهران.

الإدارة الأمريكية الجديدة رغم تصعيد خطابها ضد إيران بين فينة وأخرى، لم تبلور بعد سياسة واضحة في التعامل معها، وبالذات مع ملفي الاتفاق النووي والنفوذ الإيراني في المنطقة. كما أن تمديد تعليق العقوبات النووية على إيران لا يعني أن ترامب بدأ يغير في قناعاته الشخصية بقدر ما يعني أنه بدأ ينسجم مع المؤسسة الأمريكية التي مازالت تنظر إلى الاتفاق النووي مع طهران كأفضل خيار في التعامل مع الملف النووي الإيراني.

عموما، يبدو أن الاختلاف في التعامل مع إيران بين عهدي الديمقراطيين والجمهوريين تحكمه عوامل لا تتعلق كثيرا بقناعات وتوجهات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي لم يمض سوى 100 يوم على رئاسته. ثم إن الرئيس ترامب الذي يعاني من فقر سياسي ومعلوماتي سيضطر أو اضطر لأن ينصاع إلى محددات النظام الأمريكي القائم بدوائره الثلاث في الرئاسة والكونغرس والبنتاغون.

خلاصة القول إن ما اختلفت فيه إدارة ترامب عن إدارة سلفه أوباما في التعامل مع طهران حتى الآن، هو التغيير في اللغة والخطاب، ونحن بحاجة إلى مزيد من الصبر لنرى إن كان هذا التغيير سيترجم إلى أفعال للإدارة الأمريكية خلال الفترة القادمة أم لا، ولا إجابة واضحة على ذلك الآن، بالرغم من ظهور مؤشرات لا يستهان بها حول تحركات أمريكية لتحجيم الدور الإيراني في المنطقة، وخاصة بعد الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات السوري.

كما أن الشيء المرجح اليوم أن مسار العلاقات الإيرانية الأمريكية خلال عهد دونالد ترامب لا يبدو مماثلا لما كان في عهد باراك أوباما، وهذا المسار لم تتضح ملامحه بعد. إضافة إلى ما تقدم، فإن مسار العلاقات الأمريكية الروسية خلال المرحلة المقبلة، يشير إلى ما يمكن تسميته بالتعاون الحذر، والخوف المتبادل من الانزلاق إلى خافة الهاوية خاصة بعد التصعيد الأمريكي الذي شهده مطار الشعيرات مؤخرا.

لذلك فإنه من المستبعد أن تلجأ الإدارة الأمريكية إلى خطوات عملية جادة ضد طهران، وإن بدأت بالفعل ستكون محطتها الأولى النفوذ الإيراني في المنطقة قبل الاتفاق النووي.
1
التعليقات (1)
علي أسود
السبت، 22-04-2017 05:29 م
الشيعة و الأمريكان متفقان على قتل أهل السنة لا تخدعنا شعارات الكذب الصفوية ولا خطابات الغرب الظلامية ومن ينتظر نصر من أحدهما كالمستجير من الرمضاء بالنار