مقالات مختارة

قضية "آية حجازي" تحرج السيسي ومنظومة العدالة

جمال سلطان
1300x600
1300x600
يبدو أن ملف الناشطة المصرية "آية حجازي" لن يغلق بسهولة، وسيظل يمثل نزيفا لسمعة النظام السياسي في مصر بكامله، بل ومنظومة العدالة أيضا، وذلك رغم الإفراج عنها بعد ثلاث سنوات سجن احتياطي، حيث برأتها محكمة أخيرا من تهمة الاتجار بالبشر.

أمس، علقت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية واسعة الانتشار على خبر الإفراج عن "آية" ونقلها بطائرة عسكرية أمريكية مباشرة إلى قاعدة جوية قرب واشنطن، وقالت إن هذا كله هو حصاد مفاوضات هادئة لإدارة الرئيس الأمريكي ترامب ـ حسب وصف الصحيفة ـ مع مساعدين للرئيس عبد الفتاح السيسي، وأن تلك المفاوضات تكللت بالنجاح أخيرا، حيث تم إخلاء سبيل "آية" وتسوية وضعها القانوني، وهو الأمر نفسه الذي أشارت إليه مصادر إعلامية أمريكية متعددة، كما أتت الوقائع بعد ذلك لتعزز من صحة تلك الرواية، فأمس أيضا أرسلت الإدارة الأمريكية طائرة عسكرية قامت بنقل "آية" من مصر إلى أمريكا، بصحبة مسؤول رفيع في البيت الأبيض، وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن المسؤول الرفيع المشار إليه هو "دينا باول" نائبة مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض للشؤون الاستراتيجية، وأن "آية" وصلت بالفعل إلى قاعدة "أندروز" الجوية القريبة من واشنطن العاصمة.

رويترز أضافت أيضا أن مسؤولين في الإدارة الأمريكية كانوا قد أثاروا قضية آية حجازي مع القيادة المصرية، بعد تولي ترامب منصبه مباشرة في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي.

وذكرت "رويترز" بأن هذه لم تكن المرة الأولى التي تتدخل فيها واشنطن من أجل مصريين يحملون جنسيتها ويتعرضون للسجن في مصر، حيث تمكنت الولايات المتحدة في مايو/أيار من العام 2015 ـ حسب الوكالة ـ من الإفراج عن الناشط محمد سلطان الذي تنازل عن جنسيته المصرية.

"آية" التي حكم القضاء المصري، بعد ثلاث سنوات سجن احتياطي، ببراءتها هي وكل من كانوا معها، كانت أول شخص يغادر السجن ويعود إلى بيته من المتهمين في القضية جميعا، وبعدها بيومين تم إخلاء سبيل الباقين، وهو تصرف غير مفهوم، لكنه يعزز من صحة الرواية الأمريكية التي تقول إن "دينا باول" كانت في انتظارها في القاهرة هذه الأيام، أي إنها كانت على ثقة من إطلاق سراحها وإنهاء قضيتها.

السلوك الأمريكي مع "آية" لا يحدث عادة إلا في المناطق التي تمثل تهديدا خطيرا للحريات العامة أو مناطق النزاع الخطيرة، أو الدول التي لا تتمتع باستقرار سياسي وأمني مناسب ولا تحظى منظومة العدالة فيها باحترام وثقة، وقد كان يكفي ـ في الأحوال العادية ـ أن تحجز لآية حجازي مقعدا على أول طائرة مدنية مغادرة إلى واشنطن أو نيويورك، ويمكن أن يصحبها ديبلوماسي صغير من السفارة الأمريكية بالقاهرة، لكن الرمزية في إرسال طائرة عسكرية ونقلها بها وحضور مستشارة الأمن القومي الأمريكي، هي إشارة مهينة وتشوه سمعة النظام المصري، وتضعه في مصاف من ذكرنا من المناطق والدول التي يتعرض فيها الناس لأخطار محدقة، وتنعدم فيها الثقة.

ما حدث مع "آية" ومع "محمد سلطان" وما فعله "المجلس العسكري" بقيادة المشير طنطاوي قبل ذلك مع الأمريكيين الموقوفين في قضية "التمويل الأجنبي للجمعيات المدنية"، الذين تم تخليصهم من القضية ورفع أسمائهم من قوائم المنع من السفر وغادروا بسرعة البرق، بينما تم إدراج من لا يحملون الجنسية الأمريكية في القضية نفسها على قوائم المنع من السفر، وكلهم مواطنون مصريون ووجوه مصرية معروفة ولها احترام في الخارج، هذا الذي يحدث يبعث برسائل شديدة السلبية عن فكرة "المواطنة" في مصر، وقيمتها وحصانتها وكرامتها، وعن معنى العدالة، ومعنى القانون، وأن المصريين ممن يحملون الجنسية الأجنبية، وخاصة الأمريكية، هم مواطنون مصريون درجة أولى، مواطنون سوبر، ظهرهم "جامد"، فلا يضربون على بطونهم، كما يقول المثل المصري، بينما المواطن المصري الذي لا يحمل سوى جنسية مصر، هو مواطن درجة ثانية وثالثة، ملطشة، لا يحميه قانون ولا يحصنه وطن، ولا يملك أي ضمانات حقوقية، هو وحظه، رغم كل النصوص الجميلة التي كتبوها له في الدستور، ولا توجد له في "القاهرة" سفارة، تتابع محنته، وتحمي حقوقه، وتعمل على إنقاذه.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)