مقالات مختارة

الإمام الأكبر..!

أسامة عجاج
1300x600
1300x600
لم يتوقع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب يوما ما، أن تصل الأمور إلى هذا الحد، خاصة بعد موقفه من أحداث 3 يوليو 2013، وأن يكون الأزهر بكل تاريخه هدفا مستباحا من بعض أهله من رجال الدين، ومن العلمانيين، ومن أراذل الإعلاميين في برامج التوك شو، وجميعهم ليسوا بعيدين عن دوائر صنع القرار بصورة أو أخرى، مما يؤكد أن الحملة ضد الأزهر ممنهجة ومخطط لها بعناية، وتستهدف دفع الرجل إلى الاستقالة طواعية، وإفساح المجال أمام طامحين وطماعين في المنصب، وفي القرب من الحكومة. لم يكن الشيخ ينتظر أنه بعد حوالي أربع سنوات أن يتجرأ عليه نجوم التوك شو في مصر، بصورة تجاوزت العقل والمنطق، لتحميله مسؤولية تفاقم عمليات الإرهاب في مصر، ودعوته صراحة إلى الاستقالة، وكأنه وراء حالة عدم الاستقرار في مصر. 

الإمام الشيخ أحمد الطيب قال في تفسير موقفه من أحداث 3 يوليو 2013، إنه كان يسعى «إلى منع الضرر الأكبر وهو إسالة الدماء والقبول بالضرر الأصغر»، ولكنه فاته أنه يتعامل مع نظام جديد شعاره كلمة بوش الابن بعد أحداث سبتمبر 2001، «من ليس معنا فهو ضدنا»، نظام لا يقبل تباين وجهات النظر أو الاختلاف، نظام يأمر وينتظر التنفيذ دون مناقشة، ولعل ذلك هو سر التباين المستمر منذ ذلك التوقيت وحتى الآن بينه وبين مشيخة الأزهر، والفجوة التي تتسع يوما بعد يوم بين الجانبين، يأمر النظام بتجديد الخطاب الديني، دون إدراك لطبيعة التجديد وآلياته، فيتوقع أن تنتهي المهمة بعد شهر أو شهرين، وكأن الأمر هين أو عملية حسابية، ولا تحتاج إلى جهد مؤسسات إسلامية على الأقل، فالأمر هنا ليس قاصرا على جهد الأزهر فقط أو علمائه، ولكن جهات أخرى لها نفس الأهمية والثقل على الصعيد الإسلامي، حتى لا يتحول الأمر إلى خلاف فقهي، يدفع المسلمون نتيجته، وتكون النتيجة تلميحات في مناسبات مختلفة، تكشف عن حالة عدم رضا، وغياب الارتياح في العلاقة بين الأزهر ورمزه الشيخ أحمد الطيب، وقمة السلطة السياسية. 

يفرض على الأزهر قضية ثانوية وليست أولوية، حول الطلاق الشفوي، ويتم تصوير الأمر على أنه أزمة، ومطلوب دعم من الأزهر لمسألة توثيق الطلاق، وعدم الاعتداد بغير ذلك، وعندما تجتمع هيئة كبار العلماء وتعطي الرأي الشرعي في المسألة، وفقا للكتاب والسنة، تتحول إلى مبرر جديد وسبب من أسباب تأزم العلاقة، وكانت الطامة الكبرى في العمل الإرهابي الأخير الذي استهدف كنيستين في الإسكندرية وطنطا، وأودى بحياة 45 قتيلاً و119 مصابا، فكان من المهم البحث عن من يتم تحميله المسؤولية، فكان الأزهر وشيخه جاهزين، أو هما الحلقة الأضعف في المعادلة، حسب تصورات السلطة، أو أنها زمن الحساب المؤجل، وأصبحا هما المتهمين بالإرهاب في مصر بالدارسين فيه، على الرغم أنه ليس من خريجيه من تورط في الإرهاب، ومناهجه وهي موجودة من مئات السنين، ويذكر الإعلام وبرامج التوك شو أن الأزهر لم يكفر داعش، على الرغم أن الإمام الأكبر كشف عن حقيقة هذا الموقف، في أنه لن يمارس مواقف داعش نفسها في تكفير المسلمين، وأنهم «بغاة ومفسدون في الأرض»، وهناك ضرورة لمواجهتهم، وكأن الإرهاب في مصر سيتوقف فورا بتكفير الأزهر وشيخه لداعش. 

الأزهر وشيخه يتعرضان لهجمة غير مسبوقة على الأصعدة كافة، يتكفل بها رموز من العلمانيين وهم أصحاب الصوت العالي، ولهم وجود مؤثر في وسائل الإعلام، وكذلك من بعض الإعلاميين الذين ينفذون التعليمات الصادرة لهم، ومن بعض ذوي القربي من الطامحين والطامعين من رجال الدين بالقرب من السلطة، والعمل في إطارها، وكذلك من بعض أعضاء المجلس النيابي، الذين يسعون وفقا للتعليمات، لتعديل قانون الأزهر وانتخاب شيخه، لدفع الرجل إلى الاستقالة في مخالفة واضحة لنصوص الدستور الذي أقر استقلالية الأزهر وشيخه، وحصن المنصب من العزل وفقا للمادة السابعة من الدستور. 

المعركة محتدمة، والهجوم هذه المرة ضارٍ، والنتائج مفتوحة على كل التوقعات. وللأسف ليس أمامنا سوى انتظار النتائج.;

العرب القطرية
0
التعليقات (0)