مقالات مختارة

لماذا حلب؟

مهنا الحبيل
1300x600
1300x600
كتب مهنا الحبيل: أين يقف مشروع المناطق المجمدة التي يتبناها المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا بحلب، وخاصة حلب لما يتردد عن جبهتها في الصراع الدائر بين الثوّار وبين النظام وحلفائه الإيرانيين وميلشياتهم المتعددة، ولماذا ذهب ديمستورا إلى مقر حزب الله في لبنان مباشرة في 17 أكتوبر الماضي، ولماذا يُرحب النظام بمشروع المناطق المجمدة وعلاقته بحرب حلب الكبرى أو استسلامها؟

وقبل استعراض المسار السياسي الدقيق والتصريحات الدولية وساحة النفوذ المتغيّر في الشرق العربي، نُذكّر بقضية مهمة وهي أن المشاريع الإنسانية العاجلة لكوارث سابقةK التي تقرر فيها القوى العالمية المؤثرة تدشينها، لم تحتج في يوم من الأيام لإعلان مناطق مجمدة، فالمعتاد أن تُفرض هدنة إنسانية ويخرج المدنيون سالمين، وتغاث مناطق القتال بالإعاشة الإنسانية، فلماذا في سوريا اختلف الوضع؟

يختلف الوضع في هذا المشروع الجديد لكون وضع سوريا كان مختلفاً بالكامل في حجم التواطؤ وتنحية المعيار الإنساني، فتصدر الفظائع والمذابح التي ارتكبها النظام، وسوء الوضع الإنساني الذي أكل فيه الناس الشجر، ثم ماتوا جوعاً بعد أن استهلكوا ورقه الأخضر، كل ذلك لم يتحرك لأجله المبعوث الأممي لفرض هدنة إنسانية تكررت في كل الحروب إلا سوريا، ومع ذلك أي مساحة إنسانية ممكن أن تتحقق لهذا الشعب المغدور المحاصر، فهي مشروعة للضحية في إطارها الإنساني وليس للمبتز الدولي والإقليمي.

فما هي مهمة هذا المشروع في السياق السياسي والعسكري الشامل، وما الغرض من مبادرة ديمستورا في هذا الحراك الضخم نحو حلب؟

يجب التذكير أولاً أن حلب هي قلب الثورة السورية وأن تصفية الثورة يمر عبرها قبل غيرها، ولذلك هي تحت هذا الحصار الشرس سياسياً وعسكريا، كما أن اختراق داعش ومن يؤيدها من مجموعات من النصرة لبنائها الميداني، حقق تفتتاً لقوة ميدانها وتماسها الاجتماعي العام كجسم للثورة السورية بأيدي بنيها، وإن كانت بين فصائلها خلافات فتحت الطريق لجحيم داعش الذي صُب على المدنيين وعلى الثوّار، ثم عاد المحور الدولي والإقليمي لاستثمار مساحة الفوضى التي حققتها داعش.

هنا العنوان الرئيسي في القضية، قرار حصار حلب الجديد وإسقاطها، جاء في تصريحات متعددة من الجانبين ضمن قرار التنسيق لفرض واقع جديد على المشرق العربي، يبدأ بمسمى حرب داعش ويعبر عبرها لتصفية الثورة السورية، وتقوية النظام الطائفي في العراق وإعادة صناعته من جديد من الاحتلال المزدوج ذاته.

إن الربيع الأميركي الإيراني صعد بصورة واضحة في المنطقة وعزز تعاونه استراتيجياً ومرحلياً، بعيداً عن حكايات الشيطان الأكبر وترمومتر الملف النووي، وأضحى تحت المشاهدة العلنية وليس التخمين الظني، وتأكيدات واشنطن على أن الشريك لمثل هذه المهام هو طهران تمارس اليوم تنفيذياً، بل إن الصحافة الأميركية تطرح رؤية جديدة مهمة جداً لوضع كل هذا الحراك في سياق واحد.

ما يطرحه الإعلام وتدور حوله تصريحات مسؤولين أميركيين:

أن البيت الأبيض كان ينسق مع دول الخليج لاحتواء إيران، واليوم ينسق مع إيران لاحتواء دول الخليج العربي!

هذا التحوّل شبه العلني الذي يُنسب إليه مفاوضات مسقط السرية، هو من بات يحكم قواعد اللعبة في المشرق العربي، إيران هي الطرف الفاعل والشريك الإقليمي أمام الآخرين، الذين لا ترى فيهم واشنطن قدرة لتحقيق شراكة قوية في السياسة الإقليمية وإن راعت مصالحها معهم.

وليس ذلك فحسب، بل إن هذه الشراكة تتحد في بعض الأهداف في سوريا، فالخشية من الثورة السورية لدى تل أبيب كمهدد للأمن القومي للاحتلال الإسرائيلي، كانت حاضرة بقوة في كل تعاطي الغرب مع القضية السورية، كما أن الخشية من قوة دولة ديمقراطية في الشام أيضاً، تخيف الغرب الذي دائماً كان يرفض الإرادة الشعبية للشرق ويخشى من قوة استقلاله.

من هنا نعرف الخيوط التي تحاصر حلب وأن مبادرة ديمستورا سواءً كانت قصداً فصنعت لذلك، وهذا مرجح، أو أُخضعت لمصالح القطبين فهي تأتي اليوم في ظل هذه الحرب الكبرى على حلب. إن التدرج الذي اشترطه النظام هو عدم وقف التصعيد العسكري في المناطق التي يتقدم فيها، فيما يفرض التجميد في المناطق التي يسهل له التجميد حسمها أو يحتاج لإخضاعها بمفاوضات.

أي إن التجميد الذي يحمله المبعوث الأممي ديمستورا، في داخله عملية ابتزاز للثوار وتمهيد لما قيل عنه حل سياسي بالتجميد، فما هو الحل السياسي الشامل في سوريا الذي يقوم على التجميد وعلى أن الأسد جزء من الحل، كما تقول واشنطن؟

هو في سياق واحد برمجة عمليات استسلام متنقلة لتحقيق هيمنة قوات النظام، الذي لن يألو جهداً في تصفية إنسان هذه الثورة أول ما يستقر له الوضع، وتُزرع في كل مدينة في سوريا سربرنيتسا، وتحت بصمة مبعوث أممي كما جرى في البوسنة، ولا يوجد في سجل هذا النظام مطلقاً ما يمكن أن يعوّل عليه في سلامة بقية الشعب، الذي لم تصله قذائفه ومداه.

ولكن تبقى قضية الحسم الميداني وكما أكدنا مراراً هي كلمة الحسم، وصمود الثوّار فيها يعني اختراق هذه الجولة الشرسة من الحصار، وبالتالي الإعداد لحقبة جديدة من عمر الثورة تعتمد بعد الله، على دعم تركيا ذات الموقف الصلب والمتحد في مصالحه مع الثورة السورية، وخاصة حين طرح الرئيس أردوغان محور حلب أمام محور كوباني، متسائلاً عن سر الصفقات لأجل تلك والصفقات لخنق الأخرى رغم أن أرض سوريا للجميع.

وعليه فإن موقف الثورة وتركيا متحد من حيث المصالح وخريطة التقدمK التي يعد لها المحوران بعد كوباني وبعد تراجع داعش في عدة مواقع، ومخاطر تدوير الكرّة على الثورة السورية، وأهم ما تحتاجه الثورة أمام الخذلان العربي المستمر؛ حسن تنظيم صفوفها وإطلاق موجتها التجديدية للثورة والثوّار، حينها ستقوى ميدانياً وسياسياً، وتفرض حضورها على تقاطعات عربية ودولية تعبر بعدها لحماية هذا الشعب واستئناف مسيرة النصر.



(صحيفة الوطن القطرية)
التعليقات (0)