اقتصاد عربي

استمرار الحرب بسوريا يحول المساعدات لتمويل مشاريع

بعض المشاريع تجعل اعتماد اللاجئين أكبر على أنفسهم - أرشيفية
بعض المشاريع تجعل اعتماد اللاجئين أكبر على أنفسهم - أرشيفية
بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات ونصف على ثورة الشعب السوري التي بدأت في آذار/ مارس 2011 ضد النظام، ومع توقع استمرارها لعدة سنوات قادمه في ضوء تطورات الحرب على "الإرهاب"، بدأت بعض المنظمات الدولية التي تقدم المساعدات إلى اللاجئين السوريين البحث في إعادة النظر في خططها لجهة استبدال "المساعدة الاستهلاكية" بمساعدة تنموية، تساهم في توفير فرص عمل لهم أو تمويل مشاريع صغيرة تمكنهم من تحصيل الدخل الذي يؤمن لهم معيشتهم، على أن يتم تأمين ذلك داخل سوريا وفي المناطق الآمنة، وبما يمهد لانطلاقه تساعدهم مستقبلاً في ورشة إعادة الإعمار.

وقد أشار إلى أهمية هذا التحول وضرورة تحقيقه الدكتور عبد الله الدردري نائب الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) مشدداً على التركيز لوضع سياسات تؤدي إلى النمو وخلق فرص عمل وتحقيق الأمن الإنساني (الأمن البشري).

ويلتقى هذا التوجه مع تقرير اقتصادي جديد للأمم المتحدة تحت عنوان "هدر الإنسانية" أوضح فيه الكس بولوك مدير برنامج التمويل الصغير في الأونروا "أن سوريا تبتلي الآن بغياب فرص العمل وتعمها البطالة، فمنذ أن بدأ النزاع، انضم 2.67 مليون شخص إلى صفوف البطالة"، مما يعني "أن 11مليون إنسان من المعالين قد فقدوا سبل الدعم المالي الأساسية، علاوة على ذلك، أن تضخم الأسعار المنفلت يعصر الأسر المعيشية التي تعاني من تنامي حدة البطالة والفقر واليأس".

وما يزيد المشكلة الإنسانية تعقيداً، أن الصراع الدائر في سوريا قـد خلق "اقتصاديات عنف" تتنكر لحقوق الإنسان والحريات المدنية وسيادة القانون، مع صعود نخب سياسيه واقتصاديه جديدة تستخدم الشبكات الوطنية والدولية للمتاجرة غير المشروعة بالسلاح والسلع والناس، والانخراط في كثير من الأحيان في أعمال السلب والسرقة والاختطاف واستغلال المساعدات الإنسانية، وقد اكد تقرير الأمم المتحدة "أن هذه التشكيلة المؤسسية توفر الحافز لاستدامة الصراع، مشدداً على أن هذا الصراع بدوره " يهدر الإنسانية من خلال العنف والخوف والدمار الذي يسبب ضرراً  اقتصادياً واجتماعياً متعدد الأبعاد يطال كل جوانب حياة الناس وسبل رزقهم وبيئتهم السكنية، بشكل لم يخرج منه سالماً سوى القليل من الأسر السورية" .

تدهور قيمة الدخل

لقد أدى الخراب والدمار مع استمرار العمليات الحربية إلى انهيار اقتصادي كبير تجلى في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بشكل تدريجي من 60 مليار دولار في العام 2010 إلى 33 ملياراً بنهاية العام 2013، أي بنسبة 40%، ومن المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض ولو بوتيرة أقل بنسبة 14.27% في العام 2014، حتى يصل إلى 27 مليار دولار في العام 2015، أي ربع مستواه كما كانت تتوقعه المؤسسات الدولية. ومع التراجع الكبير لسعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي وارتفاع أسعار المعيشة، سجل التضخم قفزات كبيرة بلغت 55.23 % عام 2012، والى 90 % بنهاية العام 2013، ومع ارتفاع سعر صرف دولار دمشق إلى أكثر من 185 ليرة، سيتجاوز التضخم معدل 120 % بنهاية العام الحالي، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار ولا سيما المواد الغذائية والاستهلاكية التي يدفع ثمنها المواطنون من أجورهم التي انخفضت قيمتها الشرائية.

وكنتيجة طبيعية لهذه التطورات، تبرز خطورة تحديات الفقر، حيث أفاد تقرير للأمم المتحدة أن نصف سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون شخص باتوا تحت خط الفقر، منهم 4 ملايين تحت خط الفقر الأعلى، ويتوقع أن يصل معدل خطه الأدنى إلى 59.5 % والأعلى إلى نحو 90 % بحيث يصبح أكثر من 20 مليوناً من السوريين فقراء في العام 2015.

وكانت سوريا قد نجحت في خفض نسبة السكان الذين يقل دخلهم عن 1.25 دولار في اليوم إلى إجمالي السكان من 7.9 % إلى 0.2 % في الفترة من 1979 إلى 2010، غير أن هذا المشهد تغير جذرياً مع أحداث الحرب وسرعان ما ارتفعت هذه المؤشرات نتيجة عدة عوامل أهمها ارتفاع  معدلات البطالة بسبب تعطل النشاط الاقتصادي وهروب الاستثمارات وتدهور سعر صرف الليرة، فضلاً عن الخراب والدمار في مختلف مناطق القتال.

وفي عملية حسابية كانت ميزانية متوسط الأسرة السورية المكونة من خمسة أفراد تعادل شهرياً نحو 30 ألف ليرة سورية أي ما يعادل نحو 667 دولار أميركي على أساس سعر صرف الدولار بـ 45 ليرة، أما اليوم ومع تدهور سعر صرف الليرة، يجب أن تتضاعف هذه الميزانية إلى 113 ألف ليرة،  على أساس سعر صرف الدولار بـ 170 ليرة.   

مشاريع استثمارية

وفي إطار "اقتصاد الحرب" والتكيف مع استمرار الصراع الدائر لسنوات قادمة، تقوم حكومة تصريف الأعمال في دمشق بطرح سلسلة مشاريع استثمارية في قطاعات الصناعة والزراعة والبناء والسياحة فضلاً عن التجارة لجهة تطوير المناطق الحرة، وتكليف عدد من رجال الأعمال ولا سيما القريبين من الدائرة الضيقة المستفيدة من النظام، وقد أكدت المدير العام لهيئة الاستثمار السورية هالة غزال أن قطاع الاستثمارات يشهد تعافياً جراء تحسن الأوضاع الأمنية وعودة الأمن والاستقرار إلى الكثير من المناطق.

وإضافة إلى الترخيص من قبل وزارة السياحة لإنشاء مطاعم في عدة مناطق، تم مؤخراً افتتاح مشروع "أبتاون" الجديد في إحدى ضواحي دمشق، وسيضم منتزهاً ترفيهياً ومجمعاً للتسويق، وتبلغ تكلفته 40 مليون دولار.

وتنفيذاً لسياسة الحكومة لجهة منح الاستثمارات للذين دعموا سوريا ضد من تصفهم بـ"المتآمرين عليها" ، فإن روسيا حصلت على استثمارات لتنفيذ مشروع إنشاء السد الرابع على نهر الفرات وتبلغ تكلفته نحو مليار دولار، وسيؤمن أكثر من 800 ميغاوات لتعزيز الاستقرار في الشبكة الكهربائية، ولكن لم يعرف بعد اذا كان الوضع الأمني سيسمح لها بتنفيذ هذا المشروع في شمال سوريا التي تشهد اضطرابات أمنية، بالإضافة إلى مشروع سياحي على شاطئ مدينة اللاذقية بتكلفة 18.7 مليون دولار، مع الإشارة إلى أن غرفة تجارة دمشق قدرت قيمة الاستثمارات الروسية المتراكمة في سورية حتى العام 2011 بنحو 19 مليار دولار، وتتركز بشكل أساسي في الصناعات المتعلقة بالطاقة والنفط والغاز.

وكانت شركة "سيوز نفط غاز" الروسية قد حصلت على عقد للتنقيب والإنتاج في الجرف القاري على الشاطئ السوري، وتبلغ قيمة الصفقة 100 مليون دولار.

وتدرس حكومة دمشق حالياً إعادة تقييم مناطق الإنتاج والاستكشاف للنفط والغاز، بما فيها البحرية، ودعوة الشركات للتنقيب وتطوير الحقول المتوقفة عن الإنتاج، على أن تتضمن عقود تقاسم الإنتاج عدم تحمل الدولة أي أعباء مالية.
التعليقات (0)

خبر عاجل