كتاب عربي 21

هل يعود حزب العدالة والتنمية إلى الأربكانية؟

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان قبل أن يؤدي اليمين الدستورية في البرلمان ويستلم مهامه من سلفه عبد الله غول، شارك في المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية وألقى فيه كلمة أخيرة كرئيس الحزب ليودع رفاق دربه. وذكر أردوغان في كلمته إلى أن حزب العدالة والتنمية حركة سياسية لها جذور في الماضي، مشيرا إلى أن نجم الدين أربكان وأوزال لهما أيضا فضل على الحزب. 

وفي خطوة مفاجئة، قام رئيس الجمهورية السابق عبد الله غول في أول يوم بعد انتهاء ولايته الرئاسية، بزيارة إلى ضريح نجم الدين أربكان الذي دخل المعترك السياسي تحت قيادته، ومكث هناك لمدة خمس دقائق ليدعو له، ولا ندري كيف كانت مشاعره وهو واقف أمام قبر أربكان رحمه الله إلا أن هذه الزيارة تحمل بلا شك معاني الشكر والعرفان بالجميل.

وكان حزب العدالة والتنمية خلال زيارة أردوغان لمدينة قونيا ضمن حملته الانتخابية علَّق على مبنى فرع الحزب بالمدينة لافتة كبيرة تحمل صور عدنان مندريس وتورغوت أوزال ونجم الدين أربكان ورجب طيب أردوغان، في إشارة إلى أن هؤلاء ناضلوا ضد الانقلابيين من أجل تكريس الديمقراطية وتعزيز الإرادة الشعبية وأن حزب العدالة والتنمية امتداد لنضالهم. واعترض حزب السعادة الذي يعتبر نفسه وريثا لتراث أربكان السياسي على هذه اللافتة واتهم حزب العدالة والتنمية بمحاولة استغلال اسم أربكان.

أردوغان وغول وغيرهما من السياسيين الذين انشقوا عن تيار أربكان أسسوا حزب العدالة والتنمية ورسموا لأنفسهم خطا سياسيا يختلف عن الخط السياسي الذي واصل أربكان سيره عليه حتى رحيله. ومع ذلك، لا يستطيع أحد أن يدعي بأنهم انسلخوا تماما من المبادئ والقيم التي كانوا يؤمنون بها قبل انشقاقهم عن أستاذهم. وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها إليهم أربكان رحمه الله في بعض الأحيان بلهجة شديدة، حرصوا على عدم الإساءة إلى أربكان والخط السياسي الذي كانوا جزءا منه لسنوات. 

ومما لا شك فيه أن المعادلة داخل حزب العدالة والتنمية تغيرت إلى حد ما، وأن نسبة السياسيين الذين تربوا في المدرسة الأربكانية زادت مع حل حزب صوت الشعب نفسه وانضمام رئيسه نعمان كورتولموش وعدد من أصدقائه إلى حزب العدالة والتنمية تلبية لدعوة أردوغان، وكذلك مع انتقال جماعة فتح الله كولن من معسكر القوى المؤيدة لأردوغان إلى معسكر القوى المعادية له. ويمكن أن يضاف إلى ذلك، انضمام شريحة كبيرة من شباب تيار أربكان إلى صفوف المؤيدين لحزب العدالة والتنمية بعد رحيل مؤسس التيار رحمه الله وسلسلة الإخفاقات التي مني بها حزب السعادة. 

وبعد فترة من رحيل أربكان والتغيرات التي حدثت في تركيا، وفي ظل هذه التطورات هل يمكن القول بأن حزب العدالة والتنمية يعود إلى الخط السياسي الذي أسسه أربكان ومشى عليه حتى آخر لحظة من حياته؟. 

لا يمكن الحكم على حزب العدالة والتنمية حاليا بأنه يقترب من الخط السياسي الذي انشق عنه مؤسسوه، لأنه يحتاج إلى أدلة أقوى من بعض المؤشرات التي تدل فقط على مشاعر الوفاء والعرفان بالجميل. وما زال حزب العدالة والتنمية يسير على الخط الديمقراطي المحافظ الذي تبناه أردوغان ورفاقه أثناء تأسيس الحزب ويجمع تحت سقفه تيارات مختلفة من الإسلاميين واللبراليين، من الأتراك والأكراد، وما زال يصنف نفسه امتدادا للخط السياسي الذي رسمه عدنان مندريس وتورغوت أوزال، وما زال يسعى لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، و مازال يتسم بالبراغماتية والعقلانية وإن أكثر في الآونة الأخيرة من رفع الشعارات.

رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو دخل المعترك السياسي في عهد حزب العدالة والتنمية ولا يعرف له نشاط سياسي في الأحزاب التي أسسها تيار أربكان. والحكومة التي شكلها داود أوغلو لا يمكن وصفها بأنها قريبة من الأربكانية. ومن المتوقع أن تواصل حكومة داود أوغلو السير على الخط السياسي الذي سارت عليه حكومة أردوغان. وهو - إن صح التعبير - محصلة النضال الذي خاضه الشعب التركي منذ تأسيس الجمهورية من أجل تعزيز الديمقراطية وتجلي الإرادة الشعبية في الحكم، ومن الطبيعي أن تكون فيه بصمات كل هؤلاء الزعماء السابقين الذين قادوا هذا النضال فترة من الزمن.
التعليقات (0)

خبر عاجل