ملفات وتقارير

العدوان الإسرائيلي غيّر ديموغرافية غزة

غزة ما بعد وقف إطلاق النار - الأناضول
غزة ما بعد وقف إطلاق النار - الأناضول
يتمنى الغزّي نضال مهنا لو أنّه يحظى بساعة، أو أقل، من الهدوء، بعيدا عن الضجيج الذي يُحدثه صراخ الأطفال في البرج السكني الذي يقطنه في أحد أكبر شوارع مدينة غزة.

فقبل 51 يوما فقط، كان الهدوء هو السمة الأبرز للمكان، إلا أنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي دمّر آلاف المنازل، وتسببت بنزوح آلاف العائلات من المناطق الحدودية إلى وسط المدينة، بدأ يرسم مشهدا مغايرا.

وهذا المشهد، كما يروي مهنا (45 عاما)، بدأ يُصيبه بالصداع والتعب النفسي، إذ غير العدوان ديمغرافية المدينة، وشكلها الجغرافي، كما يقول.

ويتابع بصوتٍ حانق: "كنت أنعم بهدوء يحسدني عليه الجميع، المكان وسط مدينة غزة، ساكن وهادئ، وكأنك في جزيرة منعزلة عن العالم الخارجي، اليوم تغير كل شيء، كافة الشقق السكنية الفارغة في الأبراج امتلأت، أبواق المركبات لا تتوقف ولو للحظة، صراخ الأطفال، ضجيج العائلات النازحة عند أقاربها، وأصحابها".

ويتميز وسط مدينة غزة، وتحديدا الأحياء الغربية، منه بالهدوء، الذي يصفه الزائر لتلك الأماكن أول مرة بأنّه "غير اعتيادي".

ويقول أنور رجب (45 عاما)، إنّه بات يشعر وكأنه في مدينة أخرى لا تشبه غزة.

ويضيف: "أسكن غرب مدينة غزة منذ أكثر من 12 عاما، ولم أشعر يوما بكل هذا الضجيج وصوت المركبات الذي لا يتوقف وصراخ الأطفال، وكأني أمام مدينة مختلفة تماما عن تلك التي أعرفها، وتتميز بالهدوء".

وتقول أماني أبو رحمة (39 عاما)، إنّ "ديموغرافية مدينة غزة تبدّلت بشكل كامل بفعل الحرب الإسرائيلية".

وتتابع بأن "المدينة بشكل عام لا تستيقظ إلا بعد التاسعة صباحا، ولا تشعر بحركتها إلا بعد مرور ساعات من الصباح، أما الآن فالضجيج أسمعه منذ دقائق الفجر الأولى، غربا وشمالا، وفي كل الاتجاهات صراخ الأطفال لا يهدأ. الضجيج لا يسكن، وكافة الأبراج التي كانت تحتوي على شقق فارغة امتلأت. والباعة المتجولون لا يتوقف صراخهم، كل شيء اختلف".

ودمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في غاراته المدفعية والجوية قرابة 15671 منزلا، منها 2276 دمرت بشكل كلي، و13395 بشكل جزئي، إضافة إلى عشرات آلاف المنازل المتضررة بشكل طفيف، وفق إحصائيات أولية لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.

وكانت أكثر الغارات الإسرائيلية دمارا وصدمة للفلسطينيين هي تلك التي حوّلت أبراج "الظافر 4" و"الباشا" و"الإيطالي" و"زعرب" السكنية، خلال اليومين الماضيين، إلى مجرد ركام، وشردت نحو 150 أسرة كانت تقطن تلك الأبراج.

ووفق إحصائيات فلسطينية وأممية، فإن عدوان الاحتلال خلّف نحو 500 ألف نازح، بينهم 300 ألف شخص يمكثون الآن في 85 مدرسة في غزة.

ولجأ أغلب هؤلاء إلى وسط المدينة، سواء في مدارسها، أو مستشفياتها أو المكوث عند أقاربهم وأصحابهم.

وهذه الصورة التي خلّفها العدوان الإسرائيلي أدت إلى خلق هذا الواقع وتغيير ديموغرافية مدينة غزة، وفق تأكيد نعيم بارود، وهو أستاذ الجغرافيا، في الجامعة الإسلامية في غزة التي يحاصرها الاحتلال منذ عام 2006.

ويتابع بارود بأن مدينة غزة تحولت إلى كتلة من الضجيج والحركة، وهو ما لم تشهده طيلة السنوات الماضية.

ويضيف أن "خوف سكان القطاع، من المكوث داخل المناطق الحدودية بصفة دائمة وتغييرهم لأماكن السكن، انتقالا إلى وسط المدينة هربا من القصف، والعدوان الإسرائيلي، يغير من ديموغرافية المدينة شيئا فشيا، ويغير أيضا من ديموغرافية القطاع، إذ تتحول المناطق الحدودية إلى ما يشبه الصحراء، وتتكدس المدينة بالسكان".

وتبلغ مساحة قطاع غزة 360 كيلو مترا مربعا، يقطن فوق هذا الشريط الساحلي الضيق، نحو 1.9 مليون نسمة، ما يجعلها أكثر المناطق في العالم اكتظاظا بالسكان.

وتوصّل طرفا الحرب في غزة (الاحتلال وفصائل المقاومة)، الثلاثاء الماضي، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، وهي الهدنة التي أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية على إثرها في بيانات منفصلة انتصارها على الاحتلال، وأنها "حققت معظم مطالب المعركة".

وتتضمن الهدنة، بحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية، وقف إطلاق نار شاملا ومتبادلا بالتزامن مع فتح المعابر بين قطاع غزة والاحتلال، بما يحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثة ومستلزمات الإعمار.

كذلك تشمل الصيد البحري انطلاقا من ستة أميال، واستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين بشأن الموضوعات الأخرى خلال شهر من بدء تثبيت وقف إطلاق النار.

وجاءت هذه الهدنة، بعد عدوان إسرائيلي أسفر عن استشهاد 2145 فلسطينيا، وإصابة أكثر من 11 ألفا آخرين، فضلا عن تدمير الآلاف من المنازل، بحسب إحصائيات فلسطينية رسمية.

في المقابل، قتل في هذه الحرب 65 جنديا، وأربعة آخرون، بحسب بيانات إسرائيلية، فيما يقول مركزا "سوروكا" و"برزلاي" الطبيان (غير حكوميين) إن 2522 إسرائيليا بينهم 740 جنديا تلقوا العلاج فيهما خلال فترة العدوان.
التعليقات (0)