قضايا وآراء

إعادة النظر للإعلام

أحمد قاعود
1300x600
1300x600
مع اقتراب عمر الربيع العربي الذي بدأ في تونس ومر بمصر فليبيا فاليمن ثم المشرق العربي من أربعة سنوات، بات من الملح الوقوف على طبيعة نسق الإعلام أو الاتصال الجماهيري كنسق مجتمعي في حياة الشعوب الحديثة، وتحديد الدور الحقيقي لهذا النسق، وكيفية صناعته والبحث عن مكوناته وفواعله وطرق التحكم فيه والتأثير فيه وعليه وبه.

قبل الربيع العربي اتسم الإعلام بطبيعة كل نظام على حدة، ففي تونس عرف بإعلام "بن علي" نسبة للرئيس زين العابدين بن علي، وهو إعلام اتسم بتعظيم الحاكم ودوره ومهاجمة خصومه والنيل منه، وفي ليبيا عرف لون واحد من الإعلام، هو إعلام ثورة الفاتح، الذي كان بعيدا كل البعد عن المفهوم الحضاري الحديث لفكرة الإعلام ودوره ، أما مصر فقد استطاع الصحفيون فيها انتزاع قدر غير قليل من الحرية والنقاش، بالإضافة إلى إعلام الدولة الذي لم يختلف عن إعلام بن علي أو القذافي، لكن بعد الثورة ، واتساع حجم ودور الإعلام في القرار السياسي، وضخ أموال ضخمة إلى وسائل الإعلام بكافة أنواعها وأشكالها، بدأت فكرة "انتزاع الحرية" من نظام حسني مبارك، تثير الريبة وتوجب التدقيق فيها، من حيث كونها حرية منتزعة فعلا بفعل نضالي من قبل الصحفيين، أوأنها كانت منحة في إطار دور تلعبه أجهزة الأمن والاستخبارات في نظام مبارك، لإيجاد نوع من التنفيس لدى الشعب وإضفاء مظهر ديمقراطي على النظام القمعي، الذي كان يهتم بالشكل الحديث في جوانبه خوفا من انتقادات الغرب.

في سوريا لم يختلف الأمر كثيرا عن ليبيا أو تونس وأيضا في دول الخليج.

فور انطلاق الثورة المصرية أخذ الإعلام يتراجع أمام الغضب الجماهيري القوي وبدأت القنوات المملوكة للدولة ولرجال أعمال، بالضرورة مستفيدون من النظام، في فتح المساحات للحديث عن إسقاط النظام وتغييره وظلم الدولة وفسادها في محاولة لامتصاص الثورة والتعامل مع المتغير الطارئ الذي لم يكن في الحسبان، ولركوب موجة التغيير التي جاءت بغتة، وأدت إلى طرد الكثير من الإعلاميين والمشاهير من ميدان التحرير، بسبب مواقفهم السياسية وهو ما فهم وقتها أن الثوار في الميدان من النوع غير المسيطر عليه إعلاميا وغير القابلين لأي محاولة من التدليس عليهم من أناس كانوا ضدهم ورغبوا فيما بعد نفاقهم وإظهار انتمائهم للثورة. 

خلال عام الرئيس محمد مرسي اتضح جليا لأي مراقب متخصص، وحتى غير متخصص أن وسائل الاعلام أصبحت تؤدي دورا غير المفترض أن تؤديه، وهو الرقابة والتوعية والترفيه وغيرها من الوظائف التي يعرفها أي طالب في بداية دراسته للإعلام، لكن هذه الوسائل التي ضخ فيها أموال ضخمة خاصة من دول الخليج التي أيدت الانقلاب فيما بعد، وبالأخص السعودية والإمارات، اتخذت دورا مغاير تماما وغير منوط بها استخدامه، وأصبحت فاعلا سياسيا وليس وسائل إعلام مهنية، يمكن قبولها من جميع الأطراف السياسية في المجتمع.

وسائل الإعلام في عهد الرئيس محمد مرسي بات واضحا أنها تأتمر بأمر واحد ويتم توجيهها وجهة واحدة، اتضح فيما بعد من هو الموجه لهذه الوسائل عندما خرج تسريب لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، يتحدث فيه عن ضياع هيبة المؤسسة العسكرية وبناء أذرع إعلامية للسيطرة بها على الدولة والشعب.

 استغلت هذه الوسائل المناخ غير المسبوق من الحرية، وراحت تنشر أخبارا وتتبني قضايا هي في الحقيقة وهمية، وبنت أجندة إعلامية متشابهة إلى حد قريب، وصدرت حركات وشخصيات وتيارات لا وزن حقيقي لها ، لتهيئة الأجواء والشعب للانقلاب العسكري.

هذه القضايا التي اكتشف المصريون أنها كانت قضايا مضللة ووهمية و غير موجودة إطلاقا على أرض الواقع، مثل قضية بيع الأهرامات أو بيع خيرت الشاطر "نائب المرشد العام للإخوان المسلمين" لشبه جزيرة سيناء للرئيس الأمريكي باراك أوباما، أو تخلي الرئيس مرسي عن مثلث حلايب وشلاتين للسودان، أو بيع قناة السويس لدولة قطر، أو قضايا اجتماعية مثل مضاجعة الوداع أو تزويج القاصرات في سن السابعة، أو خطاب مرسي لرئيس اسرائيل والذي كتب بأسلوب روتيني كبقية رؤساء الدول، لكن كلمة صديقي العزيز التي جاءت فيه تم استغلالها وتصيدها بسوء نية .

 كل هذه القضايا أثبتت أن وسائل الإعلام في مصر لم تكن في الحقيقة وسائل إعلام وإنما وسائل دعاية، توجب إعادة النظر في دور الإعلام و التفرقة بينه وبين الدعاية.

فمشهد الثلاثين من يونيو وما سبقه من أحداث وما تلاه بين أن الأمر برمته كان صورة إعلامية لا أكثر أو أقل، حتى وإن كان خرج للميادين عدد لا بأس به من الأشخاص.

بدأت المسرحية وأكبر عملية نصب في التاريخ المصري الحديث ، بتصوير المتظاهرين في ميدان التحرير ورابعة العدوية وغيرها من الأماكن  والتدليس بتركيب الصور ونسبها لفئة واحدة هي المعارضة لمحمد مرسي، وكما تم تزييف الصور، تم اللعب على الأرقام وتكرراها و استقر رقم 33 مليون متظاهر في ميدان التحرير في هذا اليوم بالإضافة إلى عدة أماكن أخرى وهو رقم يفوق المنطق والعقل والخيال أيضا ، و يمكن ضحده من قبل أي شخص يتوقف برهة للتفكر في حقيقته ، لكن استخدامه والتركيز عليه جعل الكثيرون يرددونه، وتبين أن الناس يصدقون الإعلام أكثر مما يصدقون أنفسهم، وظهر ذلك فيما بعد عندما يردد الشخص أنه لا توجد مظاهرات مناهضة للانقلاب، وإذا وجدت لا يتعد عددها العشرات، بينما يمر أمام الشخص نفسه مظاهرة في حارة أو شارع شعبي، وهي تضم الآلاف، لكنه يرفض تصديق نفسه وعينيه ، و يفضل عنها تصديق وسائل الدعاية التي سيطرت على عقله وذهنه ، وهذا ما سيحدث لاحقا في الانتخابات الرئاسية بعد الانقلاب التي غاب الشعب عنها وأكد أنصار 30 يونيو أنفسهم ذلك، لكن قطاعا كبيرا منهم فضل تصديق وسائل الدعاية التي قالت أن 26 مليونا شاركوا فيها.

بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو وإغلاق كافة المنابر ووسائل الإعلام التابعة للقوي والتيارات الديمقراطية الرافضة للانقلاب، بات من الضروري إعادة النظر في وسائل الإعلام ودورها ، وإجراء دراسات على جمهورها، فنظرية الرصاصة أو الطلقة السحرية التي كانت أولى نظريات علم الإعلام قبل قرن مضي، وأصبحت وفقا للغالبية الساحقة من العلماء والدارسين من نظريات الماضي، باعتبارها تقوم على اعتبار الجمهور المتلقي متشابها وقابلا لتصديق كل ما يأتي في الرسالة الإعلامية ، ظهر أنها قابلة للتطبيق على أنصار 30 يونيو بمصر في عام 2013 وما يليه، فلا يمكن تصديق بأي صورة من الصور أن اعتصاما لجزء من الناس يحتوي على أسلحة كيماوية محرمة دولية، ولا تمتلكها إلا جيوش الدول الكبرى، ناهيك عن فكرة وجود كرة أرضية تحت منصة ميدان رابعة العدوية، وغيرها من القضايا التي لا يمكن أن يتصورها عقل سليم لطفل حظه قليل من التجارب والخبرة في الحياة.

دور الإعلام الخطير في الوقت الحالي والأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ، وكونه جزء كبير وأساسي إن لم يكن الغالب في النزاعات الموجودة ، يجب ألا يتم التعامل معه بطريقة عادية أو إهماله كنسق اجتماعي غير مؤثر على الأرض ، كما يحدث من قبل الرافضين للانقلاب العسكري في مصر، فامتلاك الحق والتأييد الشعبي الحقيقي والأنصار ، يجب أن يكون معه إعلام قوي ومؤثر يصنع القضايا ويعيد ترتيب الأجندة ويشكل الرأي العام.

لذلك فإنه بات من الضروري الاقتراب أكثر من هذا النسق والوقوف على جوانب القصور والضعف فيها للعمل على إصلاحها و جعلها إضافة قوية ومهمة بجانب الحراك الثوري في الشارع.

 الأمر بالطبع ليس مقتصرا على مصر وإنما كافة دول الربيع العربي التي تواجه بإعلام ممول من قوي إقليمية ودولية تريد وأد حقها في الحرية و الديمقراطية.
التعليقات (0)

مبارك الفلتر

07-Jul-14 09:19 PM

خبر عاجل