كتاب عربي 21

الذاكرة مثقلة بالهم وطعنات أبناء العم

عبد العزيز آل محمود
1300x600
1300x600
 هل نستطيع أن نعلن أن الأزمة الخليجية الخليجية قد هدأت؟ ربما، فهدوء غبار العواصف قد يعلن عن نزول المطر، والاتفاق القطري السعودي تم الانتهاء منه والإعلان عنه من دون تلك التسريبات الغريبة التي سبقته، ولكن دعونا نجرد الدروس المستفادة من هذه الأزمة، فلعلنا نتعلم شيئا منها حتى لا نكررها، أليس هذا هو الهدف من دراسة التاريخ؟

ظهرت شخصية مغمورة فجأة على شاشات التلفاز لتعلن عن انقلاب عسكري على حكومة الدكتور محمد مرسي المنتخبة، وكعادة الانقلابات العسكرية التي لا تستقر سوى بسفك الدم وإحداث قلاقل في النسيج الاجتماعي في الدولة، وضع العالم يده على صدره بانتظار تداعيات الانقلاب التي وصلت أوجها في مجزرة فض رابعة، كما أطلق عليه، وبدأت المشاكل تتوالى على العالم العربي
جراء دموية السيسي ورغبته الشبقة في الاستحواذ على السلطة.

في تلك المرحلة الحساسة بدأ الصدع في الصف الخليجي يظهر بشكل واضح، فانهالت الأموال على نظام السيسي من بعض دول الخليج بشكل غير مسبوق في التاريخ، وارتبط هذا المال في الوجدان المصري بالمجازر التي حدثت في رابعة وغيرها، في حين أن قطر آثرت الانسحاب خوفا من تلوث ثوبها بالدم وقد هالها تراكم الجثث المشوهة والمحترقة وامتلاء السجون المصرية بالمعتقلين والرافضين للانقلاب.

أعلنت أبو ظبي بلسان الحال أنها رأس الحربة في معركة السيسي، فأرسلت وفودها إليه وأعلنت عن مشاريع سكنية غير واقعية في محاولاتها الحثيثة لتهدئة الوضع ورصف الطريق أمام حكم عسكري رفضته الغالبية من الشعب المصري، واشترت مناطق في وسط القاهرة لتحيلها واحات للنخب البرجوازية وسط بحر من الفقر المدقع المحيط بتلك المدنية الكبيرة، ووقعت عقودا ضخمة استملكت بموجبها ساحل قناة السويس، في وسيلة غير إنسانية لوقف مشروع كان الرئيس مرسي قد أعلن عنه سابقا، قاصدة تعطيله في مسعى لحماية موانئها، متناسية أن كل هذه العقود قد تتطاير في الهواء حين تعود الشرعية إلى مكانها ويسقط حكم العسكر.

وفي تلك المرحلة الحرجة والمرتبكة وقعت الولايات المتحدة وإيران اتفاقهما النووي الذي جعل دول الخليج تشعر أن ظهرها قد انكشف أمام قوة إقليمية كبرى قد تغدر بها، فغضبت المملكة العربية السعودية من حليفتها أمريكا وبدأت بوادر هذا الخلاف تظهر بتقارب روسي سعودي وبدأت الرياض تعيد حساباتها التي بقيت تعتمد عليها لعقود طويلة، وكان توقع الجميع أن تتكتل دول الخليج مرة أخرى لتشكل قوة عسكرية واقتصادية وبشرية في مواجهة الأطماع الإيرانية التي لم تكف عن التدخل في الشأن الخليجي ابتداء من اليمن وانتهاء بالبحرين وشرق المملكة.

فجأة!! خرجت أبو ظبي من هذا التكتل المطلوب والمفروض والمأمول، لترسل وزير خارجيتها عبد الله بن زايد إلى طهران وتبدأ حملة من الغزل غير العفيف وغير المتكافئ بين أبو ظبي وطهران، ففي إحدى خطبه في ختام الدورة الثانية للجنة العليا المشتركة بين الإمارات وجمهورية إيران الإسلامية في ديوان عام وزارة الخارجية الإماراتية بحضور محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني قال بن زايد: إن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل قبل عدة أعوام إلى أكثر من 44 مليار درهم إماراتي سنويا ولكنه تراجع في السنوات الأخيرة ليصبح 25 مليار درهم في 2012، وطالب عبد الله بن زايد بانفراج الأزمة بين إيران والعالم، ليعود الحجم التجاري إلى سابق عهده.

كما قال وزير الخارجية الإيراني في ذات المناسبة إن هناك 200 رحلة جوية بين الإمارات وإيران أسبوعيا، مشيراً إلى أن التفاعل ما بين الشعب الإماراتي والإيراني قديم، مما أعطى العلاقات الثنائية عمقا تاريخيا بغض النظر عن الأوضاع "السياسية" بين الحكومتين. ثم أضاف وزير الخارجية الإيراني قائلا بأن منطقتنا تمر بوضع حساس ودقيق، لذا فإن للإمارات وإيران دورا مهما ومؤثرا، فالمنطقة مهددة بالإرهاب والراديكالية وبالتالي فإن الأمر يتطلب حكمة القيادات والحوار المستمر ما بين كبار المسؤولين في البلدين.. انتهى.

لم يكن الوزير الإيراني يتحدث عن فيلق بدر وجيش المهدي وعصائب أهل الحق ولواء أبو الفضل العباس وحزب الله الشيعي ومسلحي الحوثي وعصابات الحرق والدمار بكل تشكيلاتها في البحرين حين تحدث عن المتطرفين والراديكاليين، بل كان يتحدث عن الذين يقاومونهم بالتأكيد، فقد كان يعني السلفية بكل تفرعاتها والإخوان المسلمين والثوار السوريين والثوار العراقيين السنة الذين سئموا حكما طائفيا بغيضا مقيتا.

إن عبث أبو ظبي بمصالح دولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج والعرب بحاجة إلى وقفة صريحة، فأسلوب حب الخشوم لن يحل مشكلة مستعصية، فقد أشعلت أبو ظبي شرارة الموت في مصر ثم هربت رامية نفسها في أحضان إيران، في تصرف لم يسر الرياض كثيرا.

في مكاتب الإدارات المعنية بمجلس التعاون في وزارات الخارجية في دول الخليج أكوام من الأوراق والاتفاقيات التي وقعتها دول الخليج، أوراق ليس لها معنى حقيقي، يتراكم عليها الغبار بانتظار أن يفتحها شخص ما ليبحث عن بند ما لحاجة ما، فأغلب هذه الاتفاقيات لم ينفذ ولم يفعل، فالأحداث أثبتت أن كوم الأوراق هذه لا تصلح سوى لجمع الغبار أو لإثارته عند الحاجة.

عندما أعلنت قطر أنها لن تشارك في حفلة الموت التي يقيمها السيسي فتحت وسائل الإعلام المصرية النار على الدوحة وبدأت تلك الأفواه القذرة تتهجم على قطر ورموزها بأبشع الألفاظ وأحطها وأدناها، حاولنا، نحن القطريين، الترفع عن الرد عليها حتى وصلت إلى أن ينادي أحد قضاة مصر بتدخل عسكري ضد قطر، متهما إياها بمعاداة مصر، وهو تهديد كان من الواجب أن يأخذه مجلس التعاون بجدية ويتكتل مع قطر خلال هذه الأزمة ولكن كل الاتفاقيات التي وقعها المجلس لم تشفع، ولم يتم اتخاذ أي إجراء سوى بيان باهت من الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي بالاستنكار!!، ألم نقل إن أكوام الاتفاقيات لا وزن لها، وأنها هناك لجمع الغبار أو لإثارته!

لم يكن الاتفاق القطري السعودي بلا ثمن، فثمنه كان ومازال ضربات تكال من طرف لم يسره أن يرى عودة المياه إلى مجاريها بين جارين يعز عليهما المبيت ثلاثا متخاصمين، فهذا الناطق شبه الرسمي لأبو ظبي الدكتور عبد الخالق عبد الله يقول تعليقا على هذا التقارب لقناة السي إن إن: "كما هو الحال في أي دولة، فهناك الحمائم والصقور، وفي وقت من الأوقات تمكن الصقور من السياسة الخارجية السعودية، لكن أظن أن أيام الصقور في السياسة الخارجية السعودية قد ولت، وأول هذه الصقور هو بندر بن سلطان، وبالتالي فإن الحمائم قادمون وهم من سيوجهون الأجندة في المرحلة المقبلة"،

هل ما قاله عبارة عن صراخ ألم من تأثير التقارب القطري السعودي؟ سأترك تفسير ذلك للقارئ. 

والآن، أما آن نكون مجلسا حقيقيا أو لا نكون؟، إما أن نلتزم حقيقة بأمننا الكلي أو لا نلتزم، إما أن تكون حكومات الخليج جزءا من شعوبها أو أنها ستلعب دور سجانها، إما أن نختار دورنا في الحياة أو سيختاره الآخرون لنا.

إن العابثين بأمننا كثر، ولن تحتمل المنطقة عبثا آخر، لقد اتخمت ذاكرتنا بالهم وطعنات أولاد العم، فرفقا بنا.
التعليقات (1)
احمد فؤاد
الخميس، 24-04-2014 10:30 م
طبعا تحيز الكاتب و اضح للحكومه القطريه . و بدون الخول في تفاصيل الموضوع كل المعلومات عن القضيه المصريه مغلوطه و غير سليمه . و الدليل علي كده كم التفجيرات اليوميه في مصر .