مقالات مختارة

متاعب "السلسلة" وتسالي "المسلسل"

عبد الوهاب بدرخان
1300x600
1300x600
كتب عبد الوهاب بدرخان: تتصرّف الحكومة كما المجلس النيابي على أنهما معذوران سلفاً اذا لم يتمكّنا من إقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين في القطاع العام، وما يستتبعها من انعكاسات على القطاع الخاص. والعذر الأقبح من ذنب فعلاً أن لا رصيد كافياً لتمويل هذه السلسلة، فالدولة تدير تفليسة مزمنة وتمشّي أمورها بالدَين، لكن المبلغ المطلوب لتسكين آلام الناس غير متوافر ولن يتوافر وتتعذّر استدانته.

وقيل أن أخطاء حصلت سابقاً وتراكمت، أهمها إهمال تطوير الرواتب لتكييفها مع الغلاء والتضخم فحتى لو مُنحت الزيادة افتراضاً فإنه ستذوب سريعاً، وهذا يعطي فكرة عن غول الأسعار وأكلاف المعيشة. إذاً، هناك اصلاحات مطلوبة، وتحت ضغط الاضرابات والتظاهرات راحت الدولة تفكّر في مدّ يدها هنا وهناك لتحصيل ضرائب عشوائية من دون درس ولا تمهيد. وهكذا تطايرت اقتراحات من كل صوب لمعالجة الأخطاء بالأخطاء، وفرطت الأعصاب في شكل كاريكاتوري، فهذا مصرفي مغتاظ رفع عقيرته ضد السياسيين لـ"يفشّ خلقه"، وهذا سياسي يثير العجب اذ يلوّح بمقاضاة المصرفي صوناً لـ "سمعته".

هذه أفضل الأجواء للهرب الى "الاستحقاق الرئاسي". فبين استحالة تحسين معيشتهم والفراغ في الحكم يوضع اللبنانيون ظلماً أمام خيار صعب فعلاً. قبل ستة أعوام عندما انتخب "الرئيس التوافقي" كان مطلب زيادة الرواتب مطروحاً، وقبله أيضاً في عهد ذاك الرئيس غير التوافقي، وبعده خلال فترة الفراغ القصيرة. لكن هذه القضية الاجتماعية المحقّة وحّدت اللبنانيين، وحجبت انقسامهم السياسي ولو للحظة، ففي المطالب يريد الجميع حقوقهم. وحدها جماعة السلاح غير الشرعي لا تبدو معنية بسلسلة ولا رواتب بل بـ"الواجب الجهادي"، علماً بأنها مدعوة الى التقشف وتقليص الإنفاق، على ما تردّد أخيراً.

لا تعتقدوا بأن لا علاقة بين "سلسلة" الرواتب و"مسلسل" الاستحقاق الرئاسي. تلك للمعاناة، وذاك للإنشغال عنها، وهو قد يأتي بما يُنسي الجميع هموم العيش من دون أن يسلّيهم أو يرفّه عنهم. فهذا بلد مصادر ومستلب، قدّمه "حزب الله" ضحية لإنقاذ نظام سوري مستبدّ فاسد ومساهمةً في تضييع بلد وشعب آخرين. وبعدما كان هذا النظام مارس كل أحقاده في لبنان جاء وكلاؤه الحصريّون فاعتلوا موبقاته ليبنواعليها أمجاد "الممانعة".

 هذا بلد يحاول الوكلاء اغلاقه كما حاول سواهم ولم يفلح، يريدونه بلا أمن ولا أمان، بلا سياحة ولا سياحاً، بلا صناعةً ولا تنمية، يهشّلون الاستثمارات والدول المانحة حتى للنازحين، وحتى الغاز في جوف البحر يروّجونه سلعة في خدمة "مقاومة" أصبحت ما أصبحت عليه. فمن أين يؤتى بالمال لمساعدة اللبنانيين في الصمود وتحسين المعيشة؟ يكفي أنهم يضغطون على أنفسهم ويبذلون جهوداً جبّارة للعثور على رئيس يقولون إنهم يريدونه "قوياً".


(النهار اللبنانية)
التعليقات (0)